“جلس وحيدًا فى شرفة منزله، يَنعَم بهُدوء لحظات الغروب ورهبتها، بعد يوم شاق انقضى فى عمله المضنى الذى لا ينتهى، ومرت أمام عينيه لحظات الحياة التى عاشها كأنها شريط سنيمائى لفيلم لا يجد له إلا مشاهدًا واحدًا. وتوقف فكر الرجل عند إحدى مِحطات حياته، وتمنى فى هٰذه اللحظة لو أن قطار الزمن يعبرها دون أن يتوقف عندها. وظلت تتردد أصداء كلماته فى أفكاره ومشاعره: “إنها غلطة العمر!”.
فى طريق الحياة ينبغى أن نُدرك أن كل إنسان يسعى نحو التطور والنمو، وأنه فى ظل هٰذا قد يُخطئ متخذًا قرارات غير سليمة، أو يختار أصدقاء ليسوا على قدر المسؤولية يتهاونون أو يضعُفون، إلا أن هٰذه ليست النهاية، إذ ما دامت فرصة الحياة متاحة أمام كل شخص، فهو يستطيع أن يرسُم مستقبلاً جميلاً يغيِّر فيه من ماضيه. وكما يقولون: “لا يمكننا تمزيق ولو صفحة واحدة من كتاب حياتنا، ولٰكن بإمكاننا كتابة فصول جديدة ومختلفة فى الكتاب”. ومن الفصول الجديدة يمكنك أن تُثبت للعالم أنك تغيرت.
لكى تكتُب فصلاً جديدًا فى حياتك عليك أن ترى وتعى وتفهم الفصول القديمة، حتى يتسنى لك أن تغيرها، أو تعدلها. فكيف يمكن أن تغير من واقعك وأنت لا تدركه؟ وكيف يمكن أن تَخُطّ الجديد وأنت لا تُدرك ما كان القديم يحمله فى أعماقه؟ لذٰلك ابدأ بتقييم ما ترفضه، وضع الصورة التى تبغى الوصول إليها نُصب عينيك لتُحدد خَطواتك فى الطريق. وحينما تقرر ما يجب عليك فعله، لا تتأخر فى العمل بل اكتُب فصلا جديدا من كتاب حياتك، فكثيرون هم الذين قدَّموا إلينا فصولا مشوِّقة وبالغة الروعة فى أزمنة رِحْلاتهم على الأرض.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، سِير “إسحاق نيوتُن” الذى وُلد بعد وفاة والده بثلاثة أشهر، فى الرابع من يناير عام ١٦٤٣م، فى إحدى مزارع مقاطعة “لينكونشير”. وفى سن الثالثة تركته والدته فى رعاية جَدته لتتزوج وتحيا فى منزل زوجها الجديد.
ثم تبدأ دراسته فى سن الثانية عشْرة إلى السابعة عشْر فى مدرسة الملك فى “جرانتهام”، إلا أن “نيوتُن” كان قد تركها، فى أكتوبر من عام ١٦٤٣م ، ليعود إلى المزرعة، فيجد أمه قد ترملت، وتُخطط له مستقبلاً لا يختلف عن أبيه الذى كان مزارعـًا. ثم أقنع أحد المعلمين فى مدرسة الملك يدعى “هنرى استوكس” أمه بأن يستكمل “نيوتُن” تعليمه، وحينئذ بدأ “نيوتُن” فصلاً جديدًا فى حياته إذ قرر أن يبذُل قُصارى جُهده فى الدراسة فأصبح الطالب الأفضل، ليلتحق بـ”كلية الثالوث” فى “كامبريدچ” طالبـًا عاملاً .
وفى كتابته العديد من الفُصول من حياته، يُصبح “نيوتُن” العالم الإنجليزى أحد العلماء البارزين وأكثرهم شهرةً فيمن ساهموا فى “الفيزياء” و”الرياضيات”، بل مكتشف العديد من القوانين ومنها قانون الجاذبية الأرضية. وهٰكذا من مُزارع بسيط صار “نيوتُن” يشغَل منصب “رئيس الجمعية الملكية”، وعضوًا فى البرلمان الإنجليزىّ، مع تولى العديد من المناصب الأخرى!
إن الحياة بين يديك، ربما لا تستطيع أن تمحو أيامـًا، إلا أنه ما تزال لديك الإمكانية لتَخُطّ كثيرًا فى القادم منها بإذن الله.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى