جال فى فكرى أسماء وصور لشخصيات متعددة أطلق العالم عليها لقب “عظماء”، فها هم أولاء: “آلبرت أينشتاين”، و”ألمهاتما غاندى”، و”هيلين كيلر”، و”توماس إديسون”، و”مارى كورى”، “الأم تريزا”؛ وكثيرون من الشرق والغرب.. وتوقفت عند كلمة “عظماء”، ذٰلك اللقب الذى يحاول البشر السعى نحوه والوصول إليه، لٰكنّ للعظمة سمات، وطريق طويل غير ممهد يسير فيه الإنسان، غير ساعٍ نحو ألقاب، بل يتقدم فيه راسمـًا لغيره نهجـًا وحياة فى رحلة الأيام.
الإنسان العظيم هو ذٰلك الشخص الذى يُدرِك أن قيمة البشر تكمُن فى ذواتهم وإنسانيتهم لا فى أموالهم أو سلطتهم؛ فالعظيم تتخطى رؤياه العين ويُدرِك ذٰلك الجمال المختبئ داخل النفوس، لا تلك الهيئة الظاهرة التى قد تبدو أمامه فى فقر أو ضعف، إنه على النقيض تمامـًا من مشهد ما زلت أذكره عن رجل تنهد ضيقـًا وهو ينظر إلى رجل فقير يُسرع نحوه، فخاطب نفسه: كالعادة يلاحقنى هؤلاء “الحثالة” من أجل المال! وعندما اقترب الفقير، مد يده إلى الرجل قائلـًا: تفضل، سيدى، سقطت منك مَحفظتك!..
والعظماء ليس هم من يعرِفون أكثر من غيرهم، أو من يملِكون أكثر من غيرهم، بل هم الذين يعرِفون ولديهم قيم ومبادئ تحفظ معرفتهم من الانحراف أو التخبط أو الدمار.. يقول “ألمهاتما غاندى”: “توجد سبْعة أشياء تدمر الإنسان: السياسة بلا مبادئ، والمتعة بلا ضمير، والثروة بلا عمل، والمعرفة بلا قيم، والتجارة بلا أخلاق، والعلم بلا إنسانية، والعبادة بلا تضحية”.. وما أصعب تلك النفوس وإن ملكت العالم بأسره ومفاتيح العلم، ولٰكنها فقدت إنسانيتها! فما المنفعة من أى أمر قد تتبقى لشخص بعد أن يكون قد فقد قيمته وإنسانيته؟! إن العظماء يربِطون حياتهم بأهداف نبيلة تنبع من القيم والإنسانية فيَسعَدون ويُسعِدون من حولهم.
والعظيم هو من ملك قلبـًا اتسع للعالم بأسره فيحتوى البشر، ويخفف من آلامهم ومتاعبهم دون ضجر أو تذمر أو تباطؤ.. قيل: “الكراهية تسببت فى عديد من المشكلات فى هٰذا العالم الذى نحياه، لٰكنها لم تستطِع حل أى أمر حتى الآن”.. فإن كانت الكراهية هى ما يدمر ويصبُغ العالم بالألوان القاتمة أو الحالكة السواد، فالمحبة هى إشراقة الشمس التى تُعلن أن الظلام قد انقشع والحياة بدأت تدِب.
والعظماء من محبتهم وحكمتهم نراهم لا يُنكرون دَور الآخرين فى الحياة، إذ يُدرِكون أن عظمتهم ناتجة من جهود البشر وأتعابهم حولهم فى الطريق.. أعجبتنى كلمات “إسحاق نيوتن” عندما قال: “إن كانت رؤيتى أبعد من الآخرين، فذٰلك لأننى أقف على أكتاف العمالقة”.. وهنا أتوقف لأُنهى مقالتى بعبارة رائعة عن العظماء الحقيقيِّين: “من العظماء مَن يشعر المرء فى حضرته أنه صغير، ولٰكن العظيم بحق هو من يَشعر الجميع فى حضرته بأنهم من العظماء”.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى