لا تعرف الحياة السير على وتيرة واحدة أو نهج ثابت، وإنما تتبدل الأمور وتتغير. وفى طريق الحياة، يتلقى الإنسان عديدًا من الصدمات التى قد تؤثر فى مشاعره أو أفكاره، ولكن يختلف البشر فى كيفية التصدى لها، فكما يقولون: “حين تتلقى صدمة، هناك نتيجتان: إما أن تُدمَّر، وإما أن تصبح شخصـًا أقوى تصعب هزيمته. والاختيار لك!”. فإمّا أن تختار الضعف والانهيار والانزواء فى ركن بعيد عن الحياة، وإمّا تتعلم وتتشدد فتُضيف قوة الصدمة التى تلقيتَها إليك قوةً! فتتقوى عزيمتك وتخطو فى خَطوات أكثر ثباتـًا وعمقـًا فى مسيرة حياتك، والاختيار لك أنت وحدك أيها الإنسان.
حين تتعرض لصدمة، عليك أن تختلى إلى نفسك، وتُخرج طاقة ألمك فى صلاة أو حديث إلى الله حتى تهدأ قليلـًا لتستطيع أن تفكر بإيجابية. كثيرون يثورون ويتخذون القرارات، وهم فى حالة عدم اتزان نفسى وانفعاليّ؛ فيُخطئون نحو أنفسهم ونحو الآخرين، وربما يجرحون الأيدى التى تمتد إلى مساعدتهم. ثِق بأن الله يعلم قدرتك واحتمالك، وأنه ـ تبارك اسمه ـ إن سمح لك باجتياز تجربة وألم، فهو سيهب لك معها القدرة على الاحتمال. وفى كثير من الأحيان، بعد أن تمر بنا الأيام من أحداث وصدمات، نقف ونلتفت إليها، فنجد أنها كانت للخير، وأنها أعدَّتنا لمهام أعظم وأكبر فى الحياة.
أيضـًا لكى تستطيع أن تجتاز صدمتك، عليك أن تُدرك أن الحياة ليست فقط كوبـًا ممتلئـًا لبعضٍ وخاليـًا لبعضٍ آخر، بل ليكُن لك الفكر الحكيم الذى يُدرك أن دائمـًا وأبدًا مميزات فى كل أمر سيئ يمر بك، وعيوبـًا فى كل أمر جيد تعيشه!! فحاول أن ترى دائمـًا الجانب المضىء فى كل أمر يمر بك. اُنظر إلى شعاع الضوء الذى ينفُذ إليك من خلال ظلمة المواقف والأشخاص الذين تألمت منهم!
تقدَّم بإيمان شديد وقوة عظيمة نحو مستقبل يمتلئ بالخير بإذن الله. إن الاتجاهات الفكرية الإيجابية يمكنها أن تغيِّر كثيرًا من خُطواتك ومواقفك فى الحياة، وتجذبك نحو التقدم والنجاح. أتذكر أن قيادات قامت بعمل معسكر فى إحدى المدن لشباب المرحلة الثانوية، وكانت تلك هى زيارتهم الأولى إلى ذلك المكان. وما إن وصلوا، حتى صُدم الجميع من سوء أحوال المكان من غُرف وأَسِرَّة وفقر أدوات المطبخ.. إلخ. فما كان من هذا القائد إلا أن تجول سريعـًا فى المنزل، ثم جمع إليه الشباب وحدثهم عن المميزات التى رآها فى المكان، وعما يخططون له من أنشطة سيقومون بها فى أثناء إقامتهم! وهكذا تسلل شعاع الضوء إلى النفوس، وأخذوا فى همة ونشاط وإيجابية يعملون من أجل ما خططوا له، مُقَضِّين أجمل أوقاتهم، حتى إنهم ما يزالون يذكرون هذا المعسكر ويطلقون عليه اسم “أفضل ما عشنا”.
وعن البشر لا تندم على ما قدمتَه من خير ووجدتَ مقابله جفاء! فما تقدِّمه من خير هو يُقدَّم إلى الله؛ ويكفى أنك إنسان يحمل قلبـًا نابضـًا بالمحبة، يكفيك أنك إنسان!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى.