فى الحياة يقابل الإنسان نماذج من العظماء فيُعجَب بهم وبما يقدمونه من أعمال مبهرة، ويحاول البعض أن يتمثل بهم فى كل ما يفعلونه، وقد يصل الأمر إلى حد تقليدهم تقليدًا به كثير من المبالغة، إلا أن الحياة لا تحتاج إلى صور متماثلة ومتطابقة من البشر بل إلى تنوع من الشخصيات والمواهب يُثريها ويُضفى عليها جمالًا عميقًا، فماذا لو كانت حياة الإنسان كلها لونًا واحدًا أو مذاقًا واحدًا؟! أعتقد أنها حينئذ تفقد أجمل ما فيها ألا وهو الاختلاف والتنوع والإبداع المتميز.
ذات يوم، تحدث إلى أحد الشباب شاكيًا والدته التى ترفض أن يتصل بأحد جيرانهم مع أنه شاب لطيف مهذب، وأيضًا ملتزم وناجح فى حياته، وبالحوار معه أدركتُ أن هٰذا الشاب قد وضع هدفًا أمام عينيه بأن يصير صورة متماثلة من هٰذا الجار؛ فبدأ فى تقليده تقليدًا أعمى ما جعل والدته ترفض استمراره فى هٰذا، وهنا تذكرت إحدى القِصص التى قرأتُها عن مجموعة من العلماء وضعوا خمسة قرود فى أحد الأقفاص، به سُلَّم فى أعلاه بعض المَّوز، فما إن بدأت القرود التسلق لأخذ المَّوز، إلا وكان العلماء يرُشون عليها الماء البارد، وبعد مدة وجيزة، بدأ القرود فى منع أى واحد منها يحاول التسلق لأخذ الموز لئلا يُرش بالماء البارد، وهٰكذا توقفت القرود جميعًا عن الصعود لأخذ المَّوز، ثم بدَّل العلماء بأحدها قردًا جديدًا، وما إن رأى القرد الجديد المَّوز وبدأ الصعود، إلا وضربته الأربعة قِرَدة وأنزلته، وبعد عدة محاولات، أدرك القرد الجديد أن عليه ألا يصعد السُّلَّم وهو لا يدرى السبب!!! ثم جرى إبدال القرود الأربعة واحدًا تَلو الآخر حتى صارت فى القفص قُرود جديدة لم يُرش عليها ماء بارد قط، إلا أنها استمرت فى ضرب أى قرد تسول له نفسه صعود السُّلَّم دون أن تعرف السبب، وهٰكذا ما يفعله التقليد بعدم فَهمه للأسباب والدوافع: فحتى إن كان التقليد فيما يُفيد، فحتمًا سيتوقف مع المشكلات لأنه نابع من ذهن لا يُدرك سبب ما يفعله أو أهميته وعمقه، وإن كان فيما لا يُفيد، فحتمًا سيسبب الأضرار للجميع وأولهم صاحب هٰذا التصرف.
أيضًا التقليد يسبب كثيرًا من المواقف المحرجة للإنسان، لأنه يقوم بالعمل دون فَهم أسبابه ودوافعه، مثلما حدث لبعض المزارعين الذين زاروا رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وعزموا على أن يقوموا بتقليده فى كل ما يفعله أمامهم إذ لا يعرفون الأصول والقواعد المتَّبَعة فى مثل تلك الزيارات، وعندما قدِّمت إليهم القهوة، انتظروا تصرف الرئيس، فرأَوه يسكُب بعضًا منها فى طبق الفنجان، ففعلوا مثله! ثم وضع الطبق أمام قُطته!! فلم يدروا ما يمكنهم فعله إزاء هٰذا التصرف، وكان موقفًا شديد الحرج.
فى الحياة كُن نفسك وشخصيتك، وانتقِ ما تراه جيدًا فى الآخرين؛ فالحياة تمتلئ بنماذج كثيرة مشرِّفة، وعليك بانتقاء ما يلائم شخصيتك وظروفك وأهدافك فى الحياة، لذا:
• حدِّد أهدافك التى ترغب فى تحقيقها.
• سِرْ مع الذين يشاركونك الأهداف نفسها؛ فكل منكم سيحُث الآخر.
• تعلَّم المهارات التى تحتاجها فى الطريق؛ تعلَّم من كل أحد يمتلك تلك المهارات: صغيرًا كان أو كبيرًا، غنيًّا أو فقيرًا، متعلمًا أو أميًّا. ولٰكن لا تسعى أن تكون صورة من أحد، بل كُن نفسك التى خلقها الله، يقولون: “لا يمكنك إلا أن تكون ذاتك؛ لأن جميع الذوات الأخرى قد أخذها الآخرون..” ومتى رغِبت فى اكتساب صفة جيدة، فاكتسبها وأنت تُدرك أبعادها وأعماقها، لا وأنت صورة من آخر.
و”عن الحياة” ما زلنا نُبحر…
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى