دخل الصبى على أبيه ليجد أمامه ورقة بيضاء، وقد أخذ يرسم بعض النقاط السوداء فيها. تعجب الصبى وقال: لقد كانت الصفحة البيضاء جميلة المنظر، وها جمالها قد تشوه بسبب النقاط السوداء! لماذا وضعتها، يا أبى؟ ابتسم الأب لابنه وأجاب: إنها حقًا نقاط سوداء وغيرت شكل الورقة البيضاء الجميلة، ولٰكن اصبِر قليلًا لتعرِف معناها! انتظر الابن بشغف ليعرف سر النقاط السوداء. وبعد أن انتهى الأب من وضع هٰذه النقاط، رسم بعض الخطوط بينها، ثم قام وأحضر آلة الكمان وابتدأ يعزف عليها وهو ينظر إلى النقاط السوداء التى رُسمت على الورقة، ليسمع الصبى نغمات رائعة ارتفعت بمشاعره ووِجدانه إلى السماء. وما إن انتهى الأب من عزف مقطوعته، حتى نظر إلى ابنه قائلًا: أعرَفتَ الآن معنى النقاط السوداء؟ قال الابن : نعم ، عرفتُ. وما أروعها نقاطًا ! قال الأب: هٰكذا حياتنا؛ اُنظر إلى ما يراه الآخرون من نقاط سوداء لا يُدركون معناها، وابتسم، واعزف ألحانها. فالله يسمح لنا بالضيقات والأمور التى نعتقد أنها سوداء وتُفسد حياتنا ليعزف أجمل نغمات الحياة وأعمقها.
يقولون: “الجمال ليس سمة فى ذات الأشياء بل فى العقل الذى يتأملها!”؛ فكل جمال تراه فيما حولك من أشياء أو أمور إنما هو ينعكس من نفسك وقلبك الذى يحمل البساطة والجمال فينعكس على كل ما يحيط بك، فى حين النفس التى ترفض كل شىء وتراه قبيحًا تحتاج إلى مراجعة أعماقها لتعرِف سر ما تراه. درِّب نفسك أن يكون لك العقل الذى يرى الجمال فى الأمور أو الظروف التى تعبر بك؛ فبينما يراها مَن حولك نقاطًا سوداء، تأملها أنت جيدًّا لتجدها سر الجمال الذى تحمله فى أيامك. أعجبنى تدريب قام به أحد أساتذة الجامعة حينما طلب من جميع الحاضرين أن يكتُبوا على ورقة أسماء ثلاثة زملاء لهم، وإلى جوار كل اسم ما يرَونه جميلًا فى هٰذه الشخصيات. ثم بعد الانتهاء، جمع التعليقات المكتوبة، وقرأها، ثم سألهم عما شعَروا به فى أثناء هٰذا العمل. فأجابوا بأن المهمة كانت صعبة فى البداية ولم يجدوا ما يكتُبونه، إلا أنهم استطاعوا الوصول مع بعض التفكير إلى إيجاد بعض النقاط المضيئة، ثم انتهى الأمر بهم إلى اكتشاف أن هناك أمورًا رائعة من حولهم.
اُنظر إلى كل ما هو حولك بإيجابية، ولا تدَع عقلك يقف عند حدود النقاط السوداء، بل يتخطاها إلى روعة معناها.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى