بينما نسير في رحلة الحياة، تمر بنا المواقف ونلتقي عديدًا من البشر كل منهم يحمل شخصية تتميز عن الآخر. وفي ظل معاملات الإنسان اليومية، تَعرِض له كثير من الاختيارات، وأحد أهم تلك الاختيارات أن يقترب أو يتباعد عن أولٰئك الأشخاص الذين يلتقيهم في حياته؛ فكل إنسان يضع الآخرين في مرتبة تبعد عنه أو تقترب منه. إلا أن أحد مبادئ الحياة التي يجب ألا تغيب عن أذهان البشر في معاملاتهم: أن يحكموا حكمًا عادلًا بعضهم على بعض.
وفي حقيقة الأمر، إن الأحكام التي يُطلقها البشر لا تؤثِّر إيجابًا أو سلبًا في أولٰئك الأشخاص الذين يُختارون بقدر ما تؤثِّر في متخذيها هم أنفسهم! وعلى سبيل المثال: إن لم يكُن حكم الإنسان عادلًا، فإنه لا يُنتج ذٰلك إلا فقدان أناس جيدين من الجائز أن لا يلتقي أمثالهم في الحياة، وفي المقابل فإنه قد يقرّب إليه آخرين لا يستحقون قُربه، ما يعود في الحالتين بآثار سلبية في حياته. وفي إطلالة سريعة على التاريخ، نجد أن حكامًا وملوكًا وأباطرة وقادة ناجحين قد كمَن سر نجاحهم في من كان حولهم من الأمناء المخلصين إذ كانوا حافزًا لهم على عمل الخير ورعاية شعوبهم أفضل رعاية. يقولون: “لا تتسرع في الحكم على الناس: فقد تظلم عزيزًا، وقد ترفع رخيصًا.”؛ وفي النهاية أنت من يتحمل نتائج اختياراتك.
ولكي تحكم حكمًا عادلًا، عليك ألا تحكم على إنسان من مظهره الخارجيّ؛ يقول الشاعر والكاتب المسرحي والروائي الإنجليزي “أوسكار وايلد”: “السطحيُّون وحدهم هم من يحكمون على الناس من مظهرهم الخارجيّ”؛ وهنا أتذكر موقف رئيس “جامعة هارﭭارد” ببوسطن، عام 1884م، عندما حكم على ضيفيه ـ اللذين أرادا بناء مبنًى للجامعة يخلد ذكرى ابنهما المتوفَّى ـ من ملابسهما القديمة، فتحدث إليهما باستهانة، والنتيجة أنهما قد قررا إنشاء جامعة تحمل اسم عائلتهما “ستانفورد”، وخسَِر هو تبرعًا بمبلغ يعادل قيمة إنشاء مبنى الجامعة التي كان يرأسها!
أيضًا لا تكُن مثل ذٰلك الرجل الغنيّ الذي عندما رأى أحد الفقراء يُسرع نحوه شعر بالغضب، وهو يردد في نفسه: كالعادة يلاحقني هٰؤلاء البشر من أجل المال! وبينما هو يُتَمتِم بهٰذه الكلمات، إذ يمُد الفقير إليه يده قائلًا: تفضل سيدي: سقطت منك حافظة نقودك!! عزيزي، تذكَّر: كثير من الأنفس النبيلة لا تُرى إلا من خلال أفعالها؛ لذٰلك، لا تتسرع بالحكم على إنسان من خلال مظهره فقط، فإن هناك نفوسًا رائعة ربما هي تختفي خلف مظهر بسيط وهي لا تخلو من عمق وجمال لا تجد لهما مثيلًا في الحياة.
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ