يقول الشاعر الكاتب الفرنسيّ “فرانسوا فنلون”: “كل الحروب هي حروب أهلية، لأن جميع البشر إخوة.”. ومع أن كلماته هٰذه أحدثت جدلـًا واسعـًا بين القراء من موافق إلى معارض، إلا أنها على نحو أو آخر تحمل في عمقها فكرة العائلة البشرية الواحدة التي تفرعت منها الإنسانية كلها. ونحن حين نتحدث عن الحرب والسلام، تتردد الأسئلة في أذهان كثير من البشر: لماذا تقوم الحروب؟ وبينما نفكر ونتأمل في تلك الأسباب التي تقود إلى التحارب والتطاحن، يتبادر إلى الذهن عديد من الأسباب؛ إلا أن هناك أسبابـًا قد تعود إلى تلك الفجوة التي صنعتها الأيام، أو الاختلافات، أو المصالح بين البشر. ففقدان ذٰلك الخيط من الترابط الأخويّ الذي يربِط البشر معـًا يزرع كثيرًا من الخصومات والتناحر. فإذا أردنا العودة إلى السلام، فلا طريق لنا سوى أن نُدرِك أننا جميعـًا إخوة: قد نختلف أو نتباين في اتجاهاتنا أو عقائدنا، ولٰكن تجمعنا في النهاية العائلة الإنسانية الواحدة التي سنُسأل عن دَورنا في الحفاظ عليها أو تدميرها. وكما ذُكر في الكتاب، فإن الله سأل “قايين” عن أخيه “هابيل” بعد أن قتله، وأتبعه بذكر أن دم “هابيل” يصرخ إليه: “«فقال: ماذا فعلتَ؟ صوت دم أخيك صارخ إليَّ من الأرض. …”، وهٰكذا دخلت اللعنة إلى العالم. سبب آخر يزرع الحروب والدمار بين البشر: تلك الصورة الذهنية التي يرسُِمها البشر بعضهم عن بعض، دون وضع حساب لإنسانيتهم. يقول الشاعر السوريّ “أدونيس”: “أنت لا تكرهني، أنت تكره الصورة التي كوَّنتها عني، وهٰذه الصورة ليست أنا، إنها أنت.”. إن ما يكوِّنه الإنسان من صور في ذهنه عن الآخر، يجعله يفسر من خلالها جميع تصرفاته ، ثم يُقرّها كواقع ويعتبرها بمرور الزمن حقيقة يعامله على أساسها، هو مكمن المشكلة الحقيقية التي ذكرها لنا الشاعر السوريّ في كلماته. فالكراهية التي تحملها لإنسان وتوِّلد في أعماقك الرغبة في التخلص منه، يكون جزء كبير منها بسبب الصورة التي ترى هٰذا الإنسان عليها، وفي معظم الأحيان لا تكون هي الحقيقة. وهٰكذا أصبح على كل ساعٍ للسلام أن ينتبه لأحكامه على الآخرين، وأفكاره عنهم، لئلا يصنع لهم صورة ليست من الحقيقة في شيء. أيضـًا فكِّر بإيجابية في الحياة. أتريد أن تكون بطلـًا في الحياة؟ هناك عديد من الفرص المتاحة لتقدم فيها الإنجازات التي ترفع المعاناة بها عن البشرية؛ فالسلام يتأتى حين يبحث الإنسان عن الخير، ويسعى في الحياة كي يُبذر ثماره، وحينئذ ستتوقف الحروب وتنتهي، لأنه لن يوجد وقت لدى البشر لإهداره في زرع الأشواك بدلـًا من الثمار؛ فالخير والثمار هما نتاج نهاية الحروب. يقول “آبراهام لنكولن”: “ليس هناك طريقة مشرفة للقتل، ولا طريقة لطيفة للتدمير، ولا خير في الحروب سوى نهايتها.”، فالوقت والمال اللذان وُهبا للإنسان هما للخير لا للدمار. أعجبتني بعض كلمات تقول: “يمتلِك العالم ما يكفي من المال لإقامة الحروب. ويا للعجب! لا يمتلِك ما يكفي لإطعام الجياع!”. وأعود إلى رواية “الحرب والسلام” وكلمات “تولستوي” حين حذر من الحروب: “إن الحرب التي تشُنها الدولة، تُفسد الناس في عام واحد أكثر مما تفسدهم ملايين من جرائم النهب والقتل التي يرتكبها الأفراد في ملايين السنين.”!! نعم، فما أبشع تأثير الحرب في الشعوب والبلدان والبشر! إنه يفقدهم الحياة ويزرع الأشواك في ما يتبقى من آثارها؛ فيضيعون مع الحروب المبادئ، ويتوهون من علامات الطريق، إذ لا يجدون إلا الدمار في كل مكان: في الأرض، وفي أعماقهم التي تمتلئ بسلسلة آلام ودمار يصنعها إخوتهم في الإنسانية!!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأرثوذكسيّ