كل عام وجميعكم بخير. بعد أيام قليلة، تتردد فى رُبوع «مِصر» أنشودة الملائكة فى ليلة «عيد الميلاد»: «المجد لله فى الأعالى، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة.». وإن كان ميلاد السيد المسيح قد جاء، حاملاً رسالة السلام إلى العالم بأسره، فقد صار على البشر أن يتّبعوا تلك الرسالة فى حياتهم مثلما ذكرت نبوءة «زكريا الكاهن» أبى النبيّ «يوحنا المَعمَدان»: «ليضىء على الجالسين فى الظلمة وظلال الموت، لكى يَهدى أقدامنا فى طريق السلام»؛ وهٰكذا أضحى السلام هو الطريق الذى بحسب مشيئة الله. وقد طوب السيد المسيح فى عظته على الجبل صانعى السلام وجعلهم أبناء لله: «طوبى لصانعى السلام لأنهم أبناء الله يُدعون». وأصبح السلام هو رسالة فى حياة الإنسان المَسيحيّ فيعلمنا «بولُس الرسول»: «عيشوا بالسلام، وإلٰه المحبة والسلام سيكون معكم» كما يعلّم: «اتّبِعوا السلام مع الجميع»؛ وبهٰذا يصبح السلام منهج حياة يسلك فيه الإنسان طوال رحلة حياته.
السلام هو هبة الله إلى البشر بعد أن فقدوه زمنًا سحيقًا حين دخل الشر والقتل إلى العالم وامتدت يد الأخ على شقيقه موديةً بحياته فى أول جريمة عرفتها البشرية؛ صارت الحياة معتركًا كبيرًا يعمل فيه القويّ على سلب الضعيف حياته وحريته وممتلكاته، وتوطن الخوف فى قلب الإنسانية وتعذر على الإنسان أن يستعيد السلام. وجاء الميلاد ليعيد للبشر ما فقدوه برسالة من السماء: «وعلى الأرض السلام». ومع السلام، لابد أن يكون الفرح والسرور: «وبالناس المسرة».
والسلام يبدأ من داخل الإنسان فى عَلاقته بالله التى تنعكس على علاقاته بنفسه وبالآخرين فتكتمل دائرة السلام فى حياته.
سلام مع الله
يكمن سلام الإنسان مع الله فى المحبة العميقة التى تربِطه بالله والتى عبّرت عنها الوصية: «تحب الرب إلٰهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل فكرك، ومن كل قدرتك. هٰذه هى الوصية الأولى.». ومن خلال محبة الإنسان لله، يبدأ فى مراجعة حياته ومشاعره وسلوكه، مقدِّمًا توبة عن كل شر أو خطيئة تسللت مندسةً فى قلبه أو فكره؛ فينمو كل يوم فى محبة الله والناس، ويرقى فى توبته وعمل الخير، ويحل السلام فى حياته. أعجبتنى كلمات تبشر: «لحظة السلام الداخليّ: حينما ترى فى الظلمات ومضات نور من الله، وتشعر أن فى إغماضة جفنيك احتضانًا كافيًا لجميع متاعبك، وأن رحمة الله هى كل ما تحتاجه لتنام».
سلام مع النفس
حين يختبر الإنسان حياته بتدقيق، يكتشف أن سر فقدانه السلام يسكن مشاعر سلبية تحاول زرع الحقد والكراهية والحسد فى أعماقه، وتقوده مثلما ساقت «قايين» فى الماضى إلى القتل. والقتل قد يكون جسديًّا أو معنويًّا، لٰكنه فى كلا الأمرين يُعد إزهاقًا لروح أو لطاقات الإنسان الإيجابية وإهدارًا لكرامته؛ لذٰلك على البشر أن يتنبّهوا إلى كل مشاعر كراهية تحاول أن تندس خُفيةً إلى القلب لأنهم لن يجنوا إلا فقدانهم سلامهم هم، وتصبح هٰذه المشاعر كالنار المتأججة التى لا تهدأ فى أعماقهم فتسرق منهم أيام حياتهم فى دائرة من اضطراب لا تنتهى! يا صديقى، إن الحياة لا تستحق هٰذه المعاناة فهى أبسط من ذٰلك كثيرًا، وهى قصيرة جدًّا، فلا تهدر طاقاتك فى زرع الشوك فلن تجنى منه إلا الشوك، بل دَع المحبة تنمو فتمتلئ حياتك بالخير والسلام. يقول أحدهم: «إن لم تتمكن من صنع السلام داخل نفسك، فلن تجده أبدًا فى أيّ مكان آخر».
سلام مع الآخرين
سلام الإنسان مع الآخرين لا يأتى إلا نتاجًا لمحبته لله التى تدعوه إلى صنع الخير مع جميع البشر، وزرع المحبة فى أعماقه تجاه الآخرين. نعم، إن السلام يحتاج إلى عمل وتعب وجَهد إذ يوجد من يزرعون الشوك لقتل السلام. علينا أن ننزِع الشوك ونستمر فى زرع المحبة فى كل مكان. و… والحديث فى «مِصر الحُلوة» لا ينتهى!.