خطت الكلمات على صفحات التاريخ المِصرىّ قصة جديدة من قصص الوطن المجيدة التى تكتب مستقبل مصر الحديثة، ففى السادس من يناير قام السيد رئيس الجمهورية «عبد الفتاح السيسى» بحضور الرئيس الفلسطينى محمود عباس، وفضيلة الإمام الأكبر أ. د. «أحمد الطيب» شيخ الجامع الأزهر، وقداسة «البابا تواضروس الثانى»، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية- بافتتاح «مسجد الفتاح العليم» و«كاتدرائية ميلاد المسيح» فى يوم واحد، بالعاصمة الإدارية الجديدة، فى تأكيد رسائل السلام والمودة والإنسانية التى نادت بها الأديان، وأن مصر تتقدم بأبنائها معًا. لقد كان يوم الوفاء بالوعد، فقد وعد وأوفى.
يُعد «مسجد الفتاح العليم» من أكبر مساجد العالم، ويقع على الطريق الدائرىّ الأوسط الجديد، كما تُعد «كاتدرائية ميلاد المسيح» الكبرى فى الشرق الأوسط والعالم العربىّ، وبذٰلك صارت أكبر كاتدرائية إلى جوار أضخم مسجد فى «مِصر» يربط بينهما طريق «ممر الحضارة». وقد ألقى قداسة «البابا تواضروس الثانى» كلمة فى الافتتاح أمام اللوحة التذكارية لمسجد «الفتاح العليم»، بعد البسملة والترحيب:
(هذا يوم فرح ويوم ابتهاج نفرح فيه، ونحن نرى مصرنا العزيزة تسجل صفحة جديدة فى كتاب الحضارة المصرية العريقة. مصر التى علمت العالم فن الأعمدة، فكانت المسلة فى العصور الفرعونية، وكانت المنارة فى العصور المسيحية، وكانت المئذنة فى العصور الإسلامية. ونحن فى هذا اليوم نشهد مناسبة غير مسبوقة فى التاريخ نحتفل فيها، حيث نرى، ونشاهد، ونعاين وسط هذا الحضور الكريم أن المآذن مآذن هذا المسجد الكريم «مسجد الفتاح العليم» تتعانق مع منارات كاتدرائية «ميلاد السيد المسيح». ونحن نرى افتتاح هذه الصروح العالية فى هذه العاصمة الجديدة التى تفتح آفاق المستقبل أمام مصرنا الحبيبة. ونرى فى رمزية هذا الافتتاح أن مصر ترى وتهتم بالقوى الناعمة فيها.
إننا فى هذه المناسبة السعيدة وهذه الصروح التى نفرح بها بنيت بأموال وتبرعات المصريين، وكان السيد الرئيس هو أول المتبرعين فيها. وبنيت بجهود وإبداع المصريين من مهندسين وفنيين وعمال، وبنيت بإخلاص وبأمانة. إننى كمواطن مصرى أقف فى هذا المسجد الكريم، وأفرح مع كل إخوتى الأحباء بهذه المناسبة السعيدة التى تسجل فى تاريخ مصر. لقد علمنا السيد المسيح أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله.
سيادة الرئيس، لقد وعدت فى يناير 2017 بهذا الوعد الكريم وبناء المسجد والكنيسة، وكان هذا يعتبر دربًا من المستحيل، لأنها صروح ضخمة، وكيف تبنى فى هذا الوقت الوجيز، ولكننا فى هذا اليوم نرى سيادتكم، وقد وفيتم بهذا الوعد، وها نحن نشهد هذا الافتتاح العظيم فى هذه المناسبة الجليلة.
نقدم كل الشكر لسيادتكم، ونقدم كل الشكر لكل الشركات التى عملت، وشاركت فى هذه الأبنية، نقدم كل الشكر إلى المهندسين والفنيين والمكاتب الاستشارية، والعمال الذين اهتموا.
نقدم شكرًا خاصًا إلى القوات المسلحة والهيئة الهندسية للقوات المسلحة التى خططت، وأشرفت، واهتمت بإنجاز هذا العمل العظيم فى هذه الفترة الوجيزة.
نشكركم جميعًا، ونصلى أن يملأنا الله، وأن يديم محبتنا، ويديم وحدتنا معًا جميعًا، وليشهد العالم فى هذه الليلة المباركة هذه الصورة التى نقدمها لكل أحد كيف أن مصرنا تعيش فى هذه الوحدة وفى هذه المحبة.
نصلى أن يديمها الله على الدوام، ونصلى أن يحفظكم الله دائمًا فى قيادة بلادنا العزيزة، وأشكركم جميعًا وتحيا مصر).
وكذلك ألقى فضيلة الإمام الأكبر أ. د «أحمد الطيب» كلمة فى الافتتاح أمام اللوحة التذكارية لكاتدرائية «ميلاد المسيح» قال فيها:
(بسم الله الرحمن الرحيم، وبعد، فإنى لسعيد فى هذه الليلة المباركة بأن أكون فى صحبة سيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس جمهورية مصر العربية، وسيادة الرئيس محمود عباس، رئيس دولة فلسطين الشقيقة، والأخ العزيز قداسة البابا تواضروس، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، لأشارك فى افتتاح صرحين كبيرين، بل أكبر صرحين من صروح العبادة فى مصر من أقصاها إلى أقصاها.
وإنى إذ أعبر عن نفسى وعن هذا الوفد الرفيع المستوى من الأزهر الشريف، أعبر لسيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى عن شكرنا الجزيل على هذا الإنجاز الرائع.
ولكن لا بد من كلمة فى موضوع الكنائس فيما يتعلق بموقف الإسلام منها. موضوع الكنائس فى الإسلام موضوع محسوم، وهو ملخص فيما يلى أولًا: الإسلام أو دولة الإسلام ضامنة شرعًا لكنائس المسيحيين ولمعابد اليهود وهذا حكم شرعى، وأيضًا إذا كان الشرع يكلف المسلمين بحماية المساجد فإنه وبالقدر ذاته يكلف المسلمين بحماية الكنائس. والمسلمون يتقدمون فى حماية الكنائس على إخوتهم المسيحيين، وهذا ليس حكمًا يأتى هكذا مجاملة؛ وإنما هو حكم قائم على آية من القرآن الكريم نحفظها جميعًا، وإن كان معناها أحيانا وللأسف الشديد يخفى عن كثير حتى من المتخصصين، هذه الآية هى التى تكلف أو تأذن للمسلمين بالقتال من أجل الدفاع عن دور العبادة لليهود وللمسلمين والمسيحيين معا: «وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا». الآية التى أمرت المسلمين بأن يحموا مساجدهم هى نفس الآية التى أمرت المسلمين أن يحموا دور العبادة بالنسبة لغير المسلمين ومنها الكنائس ومنها المعابد.
ثم ألقى السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى كلمة الختام من داخل كاتدرائية ميلاد المسيح، قال فيها:
(بسم الله الرحمن الرحيم. خلونى فى البداية إن أنا أرحب بكل الضيوف اللى موجودين معانا النهارده اللى هما: فخامة الرئيس أبومازن، الرئيس الفلسطينى، وضيوف من أشقائنا الدول العربية الشقيقة والصديقة. بأرحب بيهم إنهم يحضروا معانا هذه اللحظة التاريخية. وكمان اسمحوا لى إن أنا أوجه فى هذه اللحظة كل التحية والاحترام لأرواح شهدائنا المصريين اللى سقطوا، أنا بأقول كل المصريين مش هاتكلم على الجيش والشرطة والمدنيين من أشقائنا المسيحيين حتى فى المسجد اللى تم الاعتداء عليه.
وهنا أقتبس من كلام قداسة البابا وأقوله: فى 2013 تم الاعتداء على الكنائس وبعدين لما قالوا لقداسة البابا قال لهم: وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن. الكلمة ديه أنا لن أنساها لك يا قداسة البابا؛ الكلمة دى كانت بتعكس معانى عظيمة جدا جدا نتوقف كلنا عندها، اللى هو إذا حافظنا على أوطاننا، لما حافظنا على أوطاننا مش بس بنصلح اللى اتدمر لا ده إحنا بنبنى جديد. إحنا بنبنى 14 مدينة فيها المساجد والكنائس وفيها كل حاجة. يبقى الأصل فى الموضوع المعنى العظيم اللى قاله قداسة البابا إن إحنا وعينا وفهمنا وحرصنا على بلدنا؛ نخلى بالنا منها، وأنا بأقولها النهارده كده فى قمة الاحتفال الجميل والرائع ده، متنسوش أبدًا إنكم تخلوا بالكم من بلدكم، ولما نخلى بالنا منها هنعمل بفضل الله كل شىء. كل عام وأنتم طيبين، كل عام وأنت طيب قداسة البابا، كل عام وأنتم طيبين وعيد سعيد عليكم وسنة سعيدة علينا كلنا وتحيا مصر، تحيا مصر، تحيا مصر).
لقد كان لذلك اليوم صدى عالمى فعلى سبيل المثال وليس الحصر كتب الرئيس الأمريكى «ترامب» على حسابة الشخصى فى تويتر: «متحمس لرؤية أصدقائنا فى مصر وهم يفتتحون أكبر كاتدرائية بالشرق الأوسط. الرئيس السيسى ينقل بلاده إلى مستقبل أكثر اتساعًا». أهنئ جميع المِصريِّين بافتتاح المسجد والكاتدرائية معًا، فى أيام مباركة تملأ وجداننا بالسلام والسرور: «على الأرض السلام وبالناس المسرة». وكما أن رسالة «السيد المسيح» للمحبة والسلام إلى العالم، هٰكذا ينبغى أن يكون ذٰلك نهج المِصريِّين فى حياتهم. وكل عام و«مِصر» بخير.