يقولون:”إن أعظم فرق بين الناس هو أن بعضهم يستفيد من الـ 24 ساعة.” وهنا أتساءل: ما الذي يجعل إنسانًا يسعى للاستفادة من اليوم الذي يحياه، وفي المقابل هناك من يحاول قضاء هٰذا اليوم لكي يعبر إلى آخر جديد في أيام متشابهة متشابكة تسعى نحو نهاية الطريق؟!
وأيضًا قالوا: ”حين ما يستيقظ كل إنسان في الصباح، يجد أمامه خِيارين: إمّا أن يستمر في النوم ويحلُم، وإمّا أن يستيقظ ويحقق الحُلم”. ويتوقف اختيار الإنسان على حسب ذٰلك “الهدف” الذي رسمه ووضعه نُصْب عينيه؛ فما يميز إنسانًا عن آخر هو “الهدف” الذي وضعه أحدهم على مرمى بصره، على حين ينساه الآخر ويسير في رحلة الحياة حسب ما توجهه رياحها!
وهدف الإنسان لحياته يَُكسِبها أجَلّ المعاني، وعلى النقيض فقدان الهدف؛ فإنه يُفقد الحياة كل معانيها. قيل: ”من السهل أن يحترمك الناس، ولٰكن من الصعب أن تحترم نفسك”.نعم، فمن السهل أن تلقى الاحترام ممن حولك: لما تملِكه من ثروة، أو من مكانة اجتماعية أو ثقافية، أو من أجل سلطة لديك، وفي الوقت نفسه ينبَُِع احترامك لذاتك من ذٰلك الهدف الموسوم في ضميرك، وتسعى لإدراكه وتحقيقه في رحلة عمرك، وهذا هوالصعب، ولٰكنْ حينئذ ستتوقف أمام نفسك حاملًا تجاهها كل الاحترام؛ إذ صار لها معنًى.
في يوم ما تحدَّى الظلامُ الجميع أنه يستطيع التحكم في مصائر البشر، فألقى بستاره على طريق حياتهم. وعندما حاولوا الفِرار لم يستطيعوا؛ إذ كان يَلُفّهم من كل جهة. إلى أن وجدوه يفِر أمام ضوء شمعة صغيرة كان يحملها أحد مرتادي طريق الحياة. فإن كان كل ظلام الكون لا يستطيع أن يُخفي ضوء شمعة مضيئة، فإن من يضع هدفًا لحياته ساعيًا نحوه لن يضل الطريق؛ فهو شمعة طريقه.
ومن أعظم مزايا وضع الإنسان هدفًا لحياته هو أن هدفه سيساعده ويؤازره ويقويه لكي يبدأ من جديد في كل مرة يتعرض فيها للإحباط أو الفشل، بل إنه سيتشدد بما يحمله من قوة في أعماقه نابعة من رؤية هدفه وهو يرافقه الطريق، فيقف مرة ويسير أخرى؛ وهٰكذا يُكمِل دربه مهما صادفه من عقبات. ومن أجمل ما قيل: ”إن العوائق هي مجرد أشياء يراها الشخص عندما يُبعد عينيه عن هدفه”.
وبالهدف يُقاس حجم إنجازات الإنسان، فسعيك نحو ما تريد تحقيقه يُقاس بما قدمته وما يزال أمامك لتكمله. ولا تكُن مثل هؤلاء الذين يتوقفون سريعًا في مسيرتهم لأنهم ينظرون إلى ما تبقى لهم من مسافة للوصول؛ بدلًا من أن ينظروا إلى ما حققوه بالفعل من خَُطوات في الطريق نحو الهدف.
إن أحد أعظم أسرار الحياة يكمُن في وجود هدف في حياة الإنسان يسعى نحوه، فيُبطئ في المسير في بعض الأحيان، ويُسرع بالخُطى في أحايين أخرى، ويتعثر ويسقط ثم يقوم، إلا أنه مازال يحيا ويتقدم في طريق الحياة. و … وعن الحياة سنبحر معًا و ……………
الأسقف العام ورئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأرثوذكسيّ