يقول تشِرشِل: “الجهد المتواصل ـ وليس الذكاء أو القوة ـ هو مفتاح إطلاق قدراتنا الكامنة”. فى الحياة يعتقد البعض أن الذكاء، أو القوة، أو المكانة، أو الحظ، هى وسائل الوصول إلى القمة فى طريق الحياة. غير أن هذه الأمور لا تُعد سوى عوامل مساعدة لعمل الإنسان وجِده وجُهده المتواصل خلال سيره طريق الحياة. نحن نلتقى فى الحياة من يحلُم فقط، ولا نجد آثارًا تُذكر لحياته على أرض الواقع. وهناك من يحلُم ثم ينهض ويعمل من أجل هذا الحُلم فيحقق أعظم الإنجازات. ومن أجمل ما قرأتُ فى هذا: “إننا جميعًا سنجتاز الموت، وهدف الحياة لا أن تستمر حياتنا إلى الأبد بل أن نصنع شيئًا فى هذه الحياة يحيا إلى الأبد.” .. وهذا النوع من الإنجازات لا يتحقق إلا بالعمل المستمر الجاد لهدف سامٍ وضعناه أمامنا؛ هدف أكبر من مجرد تحقيق مكاسب مادية؛ وهو السعى لإسعاد البشرية.
ويتضح هذا فى حياة كثيرين؛ منهم العالمة الفيزيائية والكيميائية “مارى كورى” وزروجها “بيير كورى”، فلقد بذلت مارى، أو ماريا كما يُطلَق عليها، الجَهد المضنى والمتواصل لتكون أول امرأة تحصُل على جائزة نوبل، بل الوحيدة التى حصلت عليها مرتين فى مجالَى الفيزياء والكيمياء. كانت مارى تعانى ماديًا لمواصلة طريقها فى الحياة. وقد عمِلت مربيةً لدى بعض الأسر لتتمكن من الإنفاق على شقيقتها. وفى فرنسا خلال دراستها فى الجامعة، استأجرت حجرة بسيطة على سطح أحد المنازل، وكانت تواصل دراستها نهارًا وتعمل لتغطية نفقاتها بصُعوبة حتى حصلت على درجة علمية فى الفيزياء. ثم التحقت بالعمل فى أحد المختبرات الصناعية، وفى الوقت نفسه واصلت دراستها فى جامعة “السوربون” حتى حصلت على درجة علمية فى الرياضيات. وبعد أن تزوجت وأنجبت ابنتها “إيرين”، بدأت فى التدريس فى مدرسة الأساتذة العليا. وحين بدأ الزوجان أبحاثهما، لم يكُن لهما مختبر متخصص، وإنما قاما بمعظم أبحاثهما، فى غرفة سيئة التهوية تنفُذ إليها مياه الأمطار، دون أى تمويل أو دعم لأبحاثهما. إلا أن الزوجين عمِلا عملًا مضنيًا دون توقف أو استسلام. وقد أسَّست مارى معهدَى “كورى” فى باريس ووارسو (بولندا)، وأول مراكز إشعاعية عسكرية.
كثيرًا ما أشرتُ فى المقالات السابقة، وما زلتُ أؤكد، أن فى كل إنسان طاقات عظيمة تحتاج إلى أن يكتشفها ويوظفها؛ وحينئذ ستتحول الأحلام إلى حقائق على أرض الواقع؛ ولا سبيل إلى تحقيقها إلا بالجُهد الذى لا يتوقف أمام المشكلات أو العوائق التى تلاقيه عبر رحلة الحياة.لا تقلق فى الحياة ولا تٌحبَط، بل حاول أن تستخدم كل الإمكانات المتاحة داخلك ومن حولك، واعمل بكل جِد واجتهاد، وحتمًا ستجد معونة الله لك: “أرأيتَ رجلًا مجتهدًا فى عمله؟ أمام الملوك يقف” . وعن الحياة ما زلنا نُبحر…………
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى.