تحدثنا في المقالتين السابقتين عن النقد وأنواعه: بين نقد إيجابيّ يساعد على البناء والتطور والنمو، وبين نقد هدام لا يسعى إلا نحو الهدم والتدمير والتأخر. وما بين الاثنين، يكون الإنسان هو الحكَم والمسؤول الأول عن الاستفادة من كل أمر يمر به في الحياة. يقولون: “الشخصية ليست شيئـًا وُلدتَ به لا يمكن تغييره، كبصمة الأصابع مثلـًا. الشخصية هي شيء لم تولَد به، بل تتحمل المسؤولية كاملة عن تكوينها كما تريد.”. وإحدى الوسائل التي يمكن للإنسان أن يستفيد بها ويستخدمها لتكوين شخصيته وتنميتها هي النقد. لذٰلك على الإنسان الذي يسعى نحو النجاح، أن يتقبل النقد ويدرب نفسه على اعتباره أمرًا إيجابيـًّا في حياته، وأنه يحمل في ثناياه قدرًا من المعلومات يمكِّنه من تنمية ذاته وحياته. وقد تقول: ليس جميع ما يقال يهدُف إلى النمو، أو ليس كله صحيحـًا، نعم هٰذا صحيح، ولٰكنك يمكنك استخدام الكلمات الناقدة لمصلحتك عندما تكون لك النظرة الإيجابية فيها، أمّا ما ليس صحيحـًا فيمكنك تركه جانبـًا بعد أن تضعه موضع تفكيرك وبحثك الجِديّ بموضوعية. وقد تسأل: أهناك اختلاف بين النقد والنصيحة؟ أعتقد أن الاختلاف يكون في دوافع الإنسان الداخلية لا في اختلاف الكلمات أو اتجاهاتها؛ فالنصيحة هي محاولة إنسان إصلاح أمر أو سلوك أو فكرة يرى فيها خطأً لدى شخص آخر يعرِفه ويكِنّ له المحبة أو التقدير، والنقد هو تقييم لموقف أو سلوك يراه الناقد يستحق النقد وربما لا يراه الشخص الذي يُنقد ذٰلك. وقيل عن أهمية النصائح في حياة الإنسان: “كثير من الناس يتلقَون النصائح، ولٰكن الحكماء يستفيدون منها فقط.”. ويقولون أيضـًا: “من يأبى اليوم قَبول النصيحة التي لا تكلفه شيئـًا، فسوف يُضطَر في الغد إلى شراء الأسف بأغلى الأثمان!”. وإن كانت هٰذه الكلمات قيلت عن النصح، فأعتقد أنها تناسب النقد أيضـًا، فربما كلمات نقد صادقة صادرة من إنسان أمين تجنبك ندمـًا وآلامـًا طويلة. أمّا الناقد أو الناصح، فعليه مراعاة عدد من الأمور عند تقديم كلماته: إن القاعدة الذهبية في الحديث مع أي إنسان هي: “تذوَّق كلامك قبل أن ينطقه لسانك.”؛ فالكلمات التي تتعرض لكرامة إنسان أو تهُز من هيئته أمام نفسه أو الآخرين لن تجعل من هٰذا الإنسان سوى محامٍ عن كل ما يفعل فيندفع في طريق لن يغيّر منه شيئـًا! واحرِص على ألا تكسِر الإنسان أمام نفسه، فلا يوجد إنسان واحد على وجه المسكونة يمكنه النجاح، وهو منهزم من الداخل أمام نفسه، شاعرًا بالإحباط واليأس. وحين تقدِّم نقدًا يحترم الآخر، فأنت تصنع جسرًا من الثقة بينك وبينه، فينظر إليك بعين التقدير والاحترام، وتصيران أنتما شريكَي نجاح واحد. أيضـًا لا تقدِّم سلبيات فقط، بل ركز في نقاط القوة والضعف لتصنع توازنـًا وقَبولـًا في حياة الآخر؛ فكما ذكرنا أن الحديث عن أحد الجانبين له خطره الأول الذي يؤدي إلى إهمال العيوب فيسقط الإنسان، والخطر الثاني في أنه يخلق يأسـًا فيه إذ لا يرى أيّ إيجابيات في حياته. وفي كل الأحوال، ساعد في وضع مقترحات إيجابية وموضوعية قابلة للتنفيذ لمساعدة من تنتقده؛ فتكون مثل الطبيب الذي كشف الداء وقدَّم الدواء، فهٰذا النهج هو الإنسانية التي وهبها الله لنا في أعماقنا، وهٰذا هو العمل الذي أؤتمن عليه الإنسان: أن يحفظ الأرض ويرعاها. فهل من استمرار لكون البشر يحطم بعضهم فيه بعضـًا؟!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأرثوذكسيّ