“كُن بعيد النظر ولا تكتفِ برؤية ما تحت قدميك!” كلمات للمؤلف “چيفري چيه ماير” عن رحلة النجاح في الحياة. إلا أن اكتساب الإنسان لصفة “بُعد النظر” لا يُعد أحد مبادئ النجاح فقط، لٰكنه أسلوب حياة، ومبدأ يطبع أثره في حياة الإنسان كلها ويسمو بها فيُكسبها كثيرًا من الحكمة والتعقل والبصيرة. يرتبط بُعد النظر بالتأني والتمهل والابتعاد عن التسرع؛ فالإنسان البعيد النظر يهتم وينظر في النتائج التي تؤدي إليها مواقفه وأفعاله ويدرُسها بعناية، متَّبعًا القاعدة الذهبية التي تقول: “قبل القيام بأيّ عمل، تمهَّل قليلًا، وفكِّر في نتائجه المستقبلية وما تؤول الأمور إليه، ولا تكُن ذا نظرة قاصرة.”. نعم، إن قليلًا من لحظات التفكير قد تغيِّر من رُدود فعل البشر ومواقفهم وكلماتهم فتبدِّل من المستقبل، وفي بعض الأحيان قد تفصل ما بين الموت والحياة!! وهٰذا يجعل الإنسان يعمل جاهدًا كي يتحكم في مشاعره وانفعالاته، ولا يترك لها العِنان لقيادة حياته؛ وهٰكذا يُعطي مساحة أكبر لإعمال العقل في حياته. يقول الفيلسوف اليونانيّ “أفلاطون”: “فكِّر مرارًا، ثم تكلَّم وافعل: فإن الأشياء متغيرة.”؛ وعن اندفاع المشاعر في الغضب، يذكر أيضًا: “لا تُسرع إلى الغضب فيتسلط عليك بالعادة”. إلا أن تلك الرَّوِيِّة التي يحتاجها الإنسان كي يتحكم في اندفاعات مشاعره، وتدريب عقله على التفكير، وفَهم ما بين الكلمات والمواقف، ليست بالأمر اليسير الذي يقتنيه الإنسان بالتمني أو الأحلام، بل يحتاج إلى تدريب وصبر. وإليك بعض المقترحات:
• قليل من الهُدوء من الأمور الأساسية في حياة الإنسان أن يجد بعض الوقت في يومه يخلو فيه إلى ذاته في هُدوء، كي يبتعد بفكره ومشاعره عن مشاحنات الحياة واضطراباتها. وفي فترات الهُدوء تلك، يمكنه أن يقيِّم ما يمر به من أمور، ويفكر فيما يعتريه من مشكلات أو ما يحتاجه من قرارات، في ضوء دراسة فكرية متأنية بعيدة عن صَخَب الحياة؛ ويؤكد هٰذا المعنى بروفيسور “آرثر أسا بيرجر” أستاذ فُنون الاتصال الإلكترونية والبث في “جامعة سان فرانسيسكو” قائلًا: “إنْ تعرَّض جهازنا الحسيّ لوابل مستمر من: الصُّور السريعة الحركة، والموسيقى، والمؤثرات الصوتية؛ يؤدي في نهاية المطاف إلى أن تصبح قدراتنا على اتخاذ قرارات عقلانية إزاء أيّ شيء أمرًا صعبًا.”. أيضًا لا تدَع مشغولياتك تتفوق على احتياجك إلى فترات هُدوء تساعدك على تجديد الذهن، وضبط المشاعر نحو نفسك والآخرين.
• كثير من القراءة تُعد القراءة من أهم مصادر المعرفة للإنسان، فهي تفتح آفاقًا وعوالم عدة أمامه، وتساعده على تدريب العقل والتفكير؛ فكما يقولون إن القراءة هي رياضة العقل، وانفتاح الذهن على الآراء والأحداث والتاريخ يكسبه اتساعًا في الأفْق ومرونة في التفكير، إذ يلتقي ما يوافقه من أفكار وما يختلف عنه؛ وبذٰلك يكتسب القدرة على فَهم الآخرين، لا بالضرورة الاقتناع بآرائهم، مما يَزيد من قدرته على معاملة الجميع بيسر وإيجابية. ولا يمكننا أن نتغاضى عن حقيقة أن الإنسان كلما ازداد أفْقه اتساعًا ازدادت قدرته على التفكير بعقلانية، وابتعد عن سطوة المشاعر فيما يتخذه من قرارات. لذا درِّب نفسك أن يكون لك بعض الوقت في يومك لتقرأ، لتُطل من نافذة كتابك على خبرات من الجائز أن لا يكون لك متسع من العمر لتحياها كلها؛ ومن خلال تدربك تصبح لديك رؤية وفكر يحترمان الآخرين ويُكسبانك عمقًا أكثر في الحياة وبُعد نظر.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ