“الاحتمال” سر من أسرار الحياة التي تمر بالبشر، وأحد مبادئها المهمة التي تقود إلى النجاح. تمر بالبشر مواقف وأمور وشخصيات يحتاجون إزاءها إلى تطوير قدرتهم على الاحتمال وتعميقها، حتى يمكنهم اجتياز الصعاب وتخطيها، والتعامل مع الآخرين بنجاح. ولُغويـًّا كلمة “احتمال” تأتي من الفعل “احتمل”: واحتملَ الشخصُ أيْ “تجلَّد وصبَرَ”. لذلك، نجد أن “الاحتمال” يرتبط بصفة أخرى هي “الصبر”، فكلما ازداد صبر الإنسان علت قدرته على الاحتمال. وهكذا يصير الاحتمال والصبر رفيقَي رحلة الحياة، يشدد كل منهما الآخر. وقد قيل عن الاحتمال إنه: “صبر مُرَكّز”، وأيضًا قال فيه الشاعر: وَكُنْ رَجُلاً عَلَى الأَهْوَالِ جَلْدًا وَشِيمَتُكَ السَّماحَـةُ وَالْوَفَاءُ وهكذا، تُعلِّم الحياة الإنسان أن يحتمل الشدائد أو الآلام، أو أن يحتمل أشخاصًا مزعجين. وقد يحتمل من أجل محبته، أو للوصول إلى هدف يسعى له. وعندما ننظر في “الاحتمال”، نجده إحدى صفات الأقوياء المهمة، فالإنسان الضعيف سريعـًا ما يتعثر أمام المشكلات التي تواجهه، أو يتراجع بعد خَطواته الأولى من طريق تحقيق آماله عندما يجد عقبات تعترضه. واحتمال الإنسان يكون نابعـًا من إصرار عميق داخله على عُبور التحديات والوصول إلى الهدف الذي يسعى نحوه. فعلى سبيل المثال، ذلك الشخص الذي يسعى بعمله وجهده أن يتعلم وينمي قدراته ليصل إلى وضع أو مكانة كبيرة في المجتمع؛ يبدأ في أن يعمل ويحتمل ويتعب كثيرًا، متنازلاً عن بعض الراحة من أجل تحقيق ما يتمناه. وفي حياة عظماء العالم، نجد تجسيدًا للاحتمال في تخطيهم المعاناة والعقبات التي اعترضتهم، في سعيهم نحو النجاح. يقول القائد الهنديّ “غاندي”: “إن الغضب وقلة الاحتمال هما أعداء الفَهم الصائب”. وهكذا يشترك العظماء في صفة الاحتمال: احتمال الحياة بكل ما تحمله من ألم وشقاء، واحتمال التضحية من أجل محبتهم للآخرين بتقديم السند والعون والخير إليهم. أيضـًا يكون الدافع إلى الاحتمال هو المحبة، مثل الإنسان الذي يحتمل أفعال شخص أو أقواله أو تصرفاته من محبته له. ونجد هذا النوع من المحبة متجليـًا في محبة الوالدِين لأبنائهم. وقد قال أحدهم: “ليست وظيفة الحب أن يجلُب إلينا السعادة، لكنني أعتقد أنه موجود ليبين لنا قدرتنا على الاحتمال.”. فالمقياس الحقيقيّ للمحبة هو القدرة على الاحتمال، وبذلك أصبح سبب كثير من المشاجرات والمشاحنات هو عدم الاحتمال بسبب نقصان المحبة. فقد قيل: “في الحب رِبح للنفوس. في الحب صبْر واحتمال.”. فالاحتمال هو دليل على اتساع القلب؛ فكما يقول مثلث الرحمات “البابا شنوده الثالث”: “إن الضيقة سُميت ضيقة لأن القلب ضاق عن أن يتسع لها، أما القلب الواسع فلا يتضايق لشيء. حقـًّا: إن القلب الكبير يفرح بكل شيء، ويشكر الله على كل شيء، ولا يتضايق أبدًا من شيء؛ مهما كانت الأمور.”. وفي احتمال الإنسان تزداد قدرته على الصبر، والمحبة، والوداعة؛ فكما يقولون: “اعلم أن الضربة التي لم تقتلك قد زادتك قوة”. قد تكون الزيادة في تحلي النفس بصفات جديدة، أو خبرات أعمق، تساعده على النمو والتميز في الحياة؛ فتُسرع به نحو نجاح عظيم. وفي وقت احتمالك، تشدَّد وثِق بأنك لست وحدك؛ فالله دائمـًا ما يُشدِّد ويُعضِّد الإنسان الذي يطلبه ويثق بمساندته إياه. وقُل لنفسك: إذا لم تستطعي يا نفسي الاحتمال يومـًا، فحينئذ اعرِفي أنك نسِيتِ قوة الله التي تسندكِ. وكُن قويـًّا لأن الحياة سمتها التغير، فجميع الأمور تتبدل، وإن كانت تمر بك عاصفة ما، ستنتهي في وقت ما مهما طال زمانها. وتذكر أن الليل يعقبه النهار، والشتاء يرحل ليأتي الربيع، وأن الاحتمال هو طريقك إلى النجاح.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُُرثوذكسيّ