تعيش “مِصر” ذكرى “ثورة ٢٣ يوليو” عام ١٩٥٢م، وهي تستعد لافتتاح مشروعها العملاق “قناة السويس الجديدة”، التي تُعد «ثورة عمل» وإضافة جديدة إلى إنجازات “مِصر” على مر العُصور.
وتعود بنا الذاكرة إلى تلك الثورة البيضاء التي لم تشهد إراقة دماء، بعد إعلان تنظيم “الضباط الأحرار” في الجيش المِصريّ، بقيادة اللُّواء “مُحمد نجيب” والبِكباشي “جمال عبد الناصر”، في الثالث والعِشرين من يوليو ١٩٥٢م، السيطرة على مُجريات أمور البلاد والهيمنة على المرافق الحيوية بها، فأُجبر الملك، على النزول عن العرش لوليّ عهده الأمير “أحمد فؤاد” ومغادرة البلاد. إلى أن ألغيت الملكية وأُعلنت الجُمهورية في الثامن عشَر من يونيو عام ١٩٥٣م.
بيان الثورة إلى الشعب المِصريّ
“من اللُّواء أركان حرب «مُحمد نجيب»، القائد العام للقوات المسلحة، إلى الشعب المِصري: اجتازت «مِصر» فترة عصيبة في تاريخها الأخير من الرِّشوة والفساد وعدم استقرار الحكم. وقد كان لكل هٰذه العوامل تأثير كبير في الجيش، وتسبب المرتشون والمُغرِضون في هزيمتنا في «حرب فلسطين». وأمّا فترة ما بعد هٰذه الحرب، فقد تضافرت فيها عوامل الفساد، وتآمر الخونة على الجيش، وتولى أمره: إمّا جاهل، أو خائن، أو فاسد؛ حتى تُصبح «مِصر» بلا جيش يحميها.
وعلى ذٰلك، فقد قمنا بتطهير أنفسنا، وتولى أمرنا في داخل الجيش رجال نثق بقدرتهم وبخلقهم وبوطنيتهم. ولا بد أن «مِصر» كلها ستتلقى هٰذا الخبر بالابتهاج والترحيب. أمّا مَن رأينا اعتقالهم مِن رجال الجيش السابقين، فهؤلاء لن ينالهم ضرر، وسيُطلَق سراحهم في الوقت المناسب.
وإني أؤكد للشعب المِصريّ: أن الجيش اليوم كله أصبح يعمل لمصلحة الوطن في ظل الدُّستور، مجرَّدًا من أية غاية. وأنتهز هٰذه الفرصة، فأطلب من الشعب ألا يسمح لأحد من الخونة بأن يلجأ إلى أعمال التخريب أو العنف، لأن هٰذا ليس في مصلحة «مِصر»؛ وإن أيّ عمل من هٰذا القبيل سيقابَل بشدة لم يسبق لها مثيل، وسيَلقى فاعله جزاء الخائن في الحال. وسيقوم الجيش بواجبه هٰذا متعاونـًا مع «البوليس». وإني أُطمئن إخواننا الأجانب على مصالحهم وأرواحهم وأموالهم، ويُعتبر الجيش نفسه مسؤولـًا عنهم. والله ولي التوفيق”.
وبدأت الثورة في سعي نحو تحقيق مبادئ ستة، كانت هي عماد سياستها وسعيها نحو حياة كريمة للمِصريِّين:
• القضاء على الإقطاع
• القضاء على الاستعمار
• القضاء على سيطرة رأس المال على الحكم
• إقامة حياة ديمقراطية سليمة
• إقامة جيش وطنيّ قويّ
• إقامة عدالة اجتماعية
ثورة وإنجازات
تعددت إنجازات “ثورة يوليو” في عديد من الجوانب: فمنها السياسيّ مثل توقيع “اتفاقية الجلاء” بعد أكثر من سبعين عامـًا من الاحتلال، ومنها الثقافيّ كإنشاء “الهيئة العامة لقصور الثقافة” والمراكز الثقافية، وأيضـًا ما يتعلق بالتعليم مثل إنشاء مراكز البحث العلميّ وتطوير المستشفيات التعليمية. إلا أن أحد إنجازات الثورة الأكثر أهمية كان قرار “تأميم قناة السويس”، في السادس والعشرين من يوليو عام ١٩٥٦م، جزء أصيل وغالٍ من أرضها، جزء حُفر بجهد أبنائها ودُموعهم ودمائهم، لتعود قناتهم إليهم بعد أن تغربت عنهم عُقودًا طوال، ولٰكن تدفُّق مائها على أرضها كان وما يزال يحمل في أعماقهم نبض وطنهم الغالي.
ومع اقتراب تحقيق حُلم جديد، لا يسعنا إلا أن نؤكد أهمية العمل بكل جهد وإخلاص من أجل رفعة “مِصر”، ولكي تتبوأ مكانها في الصدارة بين دُول العالم؛ وهو ما لن يتحقق إلا من خلال سواعدنا، نحن أبناءها، في محبة كاملة خالصة لها.
أهنئ المِصريِّين جميعـًا بذكرى “ثورة يوليو”، مصلين من أجل رفعة بلادنا الغالية “مِصر” وسلامها.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأرثوذكسيّ