في الحادي عشَر من شهر “طوبة” يحتفل أقباط “مِصر” بعيد “الغطاس” أحد الأعياد السيِّدية الكبرى، الذي يوافق في هٰذا العام الأربعاء العشرين من شهر “يناير”. لذا، أقدِّم تهنئة قلبية بالعيد، متمنيـًا أن يحِل الخير والسلام في رُبوع “مِصر”، ومِنطَقة “الشرق الأوسط”، والعالم. تُعد شخصية “يوحنا المَعمَدان” من أهم شخصيات أحداث هٰذا العيد، وقد لُقب بعدد من الألقاب منها: “السابق” أيِ الذي يسبق مجيء “السيد المسيح”، “والصابغ” أيِ الذي يَصبِغ بالمعمودية؛ وهو النبيّ الذي دعا الشعب اليهوديّ إلى التوبة عن خطاياهم، وهو الذي عمَّد “السيد المسيح”. “يوحنا” اسم عبريّ يعني “الرب حنّان”، وهو ابن “زكريا الكاهن” و”أليصابات” اللذين يذكر الكتاب عنهما أنهما “كانا كلاهما بارَّين أمام الله، سالكَين في جميع وصايا الرب وأحكامه بلا لَوم.”. وقد كانت أليصابات أمه عاقرًا، وهو ما كان يُعتبر عارًا في “العهد القديم”. وفي أثناء ما كان “زكريا” يقوم بخدمته في الهيكل، بشره ملاك الرب “جَبرائيل” بأنه سيُرزق بطفل يُدعى “يوحنا” فقال له: “«لا تخَف يا زكريا، لأن طلبتك قد سُمعت، وامراتك أليصابات ستلد لك ابنـًا وتسميه يوحنا. ويكون لك فرح وابتهاج، وكثيرون سيفرحون بوِلادته، لأنه يكون عظيمـًا أمام الرب، وخمرًا ومُسْكِرًا لا يشرب …”. ولٰكنّ “زكريا” تعجب من كلام الملاك إذ كان هو وزوجته شيخين متقدمين في الأيام! فأجابه الملاك بأنه سيكون صامتـًا لا يقدِر أن يتكلم حتى يوم وِلادة الطفل. وعند ولادة الطفل، سُئل “زكريا” من أقربائه عن اسم الطفل، فكتب: «اسمه يوحنا». وفي الحال انفتح فمه ولسانه وتكلم وبارك الله؛ فتمت كلمات الملاك له، فتعجب الناس وتساءلوا: “«أتَرى ماذا يكون هٰذا الصبيّ؟»”. وكانت ولادة “يوحنا” قبل ولادة “السيد المسيح” بستة أشهر، وعاش حياته في البراري ناسكـًا حتى يوم خدمته التي بدأت في الثلاثين من عمره وهي السن القانونية لبَدء الخدمة. عاش “يوحنا المَعمَدان” صوتـًا للحق في أثناء خدمته القصيرة التي دامت ستة أشهر. وكان يرى ويُدرك عُيوب المجتمع الذي يحيا فيه، وحالة الشر والفساد التي تجتاح الشعب والجنود، فكان يدعو الشعب إلى التوبة وإصلاح طرقهم قائلاً: “«توبوا، لأنه قد اقترب ملكوت السماوات …”. وما إن بدأ ينادي بالتَّوبة حتى استجاب له الشعب “… واعتمدوا منه في الأُردنّ، معترفين بخطاياهم”. وقد علَّم “يوحنا” الشعب أن يصنع أعمال الخير والرحمة، محذرًا إياهم من الأعمال الشريرة التي ستجلُِب عليهم غضب الله؛ فحين سأله الجموع: “«فماذا نفعل؟». أجاب وقال لهم: «من له ثوبان فليُعطِ من ليس له، ومن له طعام فليفعل هٰكذا».”. أيضـًا كان “يوحنا” صوت الحق مع العشارين الذين يحصِّلون الضرائب وطالبهم: “«لا تستوفَوا أكثر مما فُرض لكم»”، ولم يخشَ السلطات والجُنود فكان يدعوهم قائلاً: “«لا تظلموا أحدًا، ولا تَشُوا بأحد …».”. ولم يتوقف نداؤه أمام الوُلاة؛ فعندما أراد “هِيرُودُس الملك” أن يتزوج امرأة أخيه “هِيرُودِيا”، الأمر المرفوض على المستوى الدينيّ، لم يخشَ “يوحنا” سلطان الملك وسَطوته، بل كان نداءً للحق وقال له: “«لا يحِلّ أن تكون لك امرأة أخيك»”؛ وكانت نتيجة هٰذا الأمر محاولات “هِيرُودِيا” أن تقتُل “يوحنا”، ولٰكنها لم تستطِع. إلى أن جاءتها الفرصة في يوم ميلاد “هِيرُودُس” عندما دخلت ابنتها ورقصت أمامه؛ فسُرّ بها والمتكئون معه ووعدها أن يهب لها ما تشاء، فطلبت رأس “يوحنا المَعمَدان” على طبق!! ولأجل قسَم الملك، أرسل سيافـًا وأمر بإحضار رأسه؛ فمضى وقطع رأسه في السجن. وهٰكذا عاش “يوحنا المَعمَدان” مقدِّمـًا الحق، لا التشهير أو التجريح إزاء أيّ إنسان، ولم يُحابِ أحدًا بل قدَّم رسالة الحق في تواضع عجيب، ولذٰلك استحق أن يكون عظيمـًا. كل عام وجميعكم بخير، نتشارك جميعنا في أفراح وأعياد تمر بالمِصريِّين.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ