أود أن أتقدم بالتهنئة بعيد الأضحى إلى جميع إخوتنا المسلمين في مصر، والشرق الأوسط، والعالم؛ مصلين إلى الله أن يحفظ مِصر وسلام أبنائها، وأن يملأ قلب بلادنا الغالية بالسعادة والأفراح.
تحدثنا في المقالة السابقة عن “التوازن”، أحد أسرار نجاح الإنسان، وأشرنا إلى معناه وبعض من تعريفاته: فذكرنا أنه “الاعتدال” بين الأمور، والأمر الذي يساعد الإنسان على تخطي المشكلات بمرونة بعيدًا عن المغالاة، وأيضًا هو يحفظ من التقلبات في المبادئ أو الآراء والمشاعر. وقد قيل أيضًا عن “التوازن: إنه “حالة” تساعد صاحبها في الاقتراب من الرأي والسلوك الصائب والابتعاد عن التطرف فيهما.
عندما تُذكر لفظة “التوازن”، تقفز إلى مخيلة الإنسان صور مرت بحياته أو بحياة آخرين عندما اضطرتهم الظروف إلى العبور من مكان إلى آخر على لوح خشبيّ أو حجارة؛ فيحاولون أن يعبروا على تلك المساحة الضيقة محافظين على توازنهم لئلا يسقطوا. وهنا تبرز في الذهن أيضًا صورة لاعب السيرك الذي يحاول العبور من ناحية إلى أخرى على حبل رفيع دون أن يسقط، وهو ما يحتاج مهارة شديدة. وفي جميع تلك المفاهيم لكلمة “التوازن”، نجد أنه أحد الأمور المهمة التي يجب أن يسعى الإنسان لتحقيقها سواء اختار هو ذٰلك مسلكًا لحياته أو اضطرته مواقف الحياة ومسؤولياتها أن يعبر الحبل دون أن يسقط، أي دون أن تحدث أخطاء تكون لها عواقب وخيمة.
هناك عديد من مجالات التوازن في حياة الإنسان يجب عليه أن يراعيها حتى لا يتأثر سلبيًّا في حياته بدرجة كبيرة، منها: تحقيق التوازن على مستواه الشخصيّ أي بين الجسد والنفس والروح؛ فعدم التوازن في حياة الإنسان مثل عدم اتخاذه راحة فترات كافية لتؤثر سلبيًّا في حالته الصحية وتركيزه، ومن ثَم في أدائه عمومًا. أيضًا عدم التوازن الفكريّ أو في المشاعر يصل بالإنسان إلى نفس غير متزنة. أيضًا التوازن في الأدوار التي يقوم بها الإنسان في الحياة حتى لا يَطغَى دَور على آخر فيسبب له الإحباط والفشل: مثل اهتمام شخص بعمله على حساب أسرته أو حياته الشخصية فيشعر بألم وتعاسة في عدم إيفائه بمتطلبات ذٰلك الدَّور. أيضًا يجب أن يراعي الإنسان توازنه في معاملاته مع الآخرين حتى لا يظلم أحد، محقِّقًا العدل والمساواة؛ وتظهر الحاجة الماسة لذٰلك التوازن في مجال العمل أو المسؤوليات الجسام التي تلقَى على كاهل القيادات في كل مجال. إن من يتمكن من تحقيق مثل هٰذا “التوازن” في مجالات حياته يكون أقرب إلى النجاح والسعادة، والأهم من هٰذا وذاك أنه يشعر برضًا وارتياح ضمير لِما أداه من واجب في الحياة تُِجاه نفسه والآخرين.
وللحديث بقية …
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطي الأُرثوذكسيّ