تمضى الأيام ويمر عامان على ذكرى «ثورة الثلاثين من يونيو» التي نبعت من المِصرييِّن متوحدين في هدف واحد. فكما ذكرنا سابقاً، كانت الثورة شعبية، انحازت فيها القوات المسلحة المِصرية إلى إرادة الشعب لا العكس، فالشعب هو مصدر الثورة وصاحب الإرادة والقرار، واستجابة لمطالبه سانده جيش «مصر». لذٰلك أهنئ المِصريِّين بذكرى ثورتهم، متمنياً لبلادنا كل عزة وكرامة ومجد وكرامة.
ذكريات الثورة
وفى شريط عابر لما حدث في الثورة، مر بخاطرى أنه في يوم الثلاثين من يونيو الذي يوافق ذكرى تولى الرئيس الأسبق مهام الرئاسة، تجمَّع عدد غفير من الشعب شمل محافظات «مصر»، يقدر بالملايين من المعارضين له الذين يطالبون بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، في مقابل خروج مؤيدى الرئيس في تظاهرات لتأييده.وفى الأول من يوليو، صدر بيان عام من القوات المسلحة، في محاولة لإبعاد الخطر عن «مصر»، في لحظات حرجة من تاريخها، جاء فيه: «شهِدت الساحة المِصرية والعالم أجمع، أمس، تظاهرات وخروجاً لشعب مِصر العظيم، ليعبّر عن رأيه وإرادته بشكل سلمى وحضارىّ غير مسبوق.. ومن المحتم أن يتلقى الشعب ردًّا على حركته، وعلى ندائه من كل طرف يتحمل قدراً من المسؤولية في هٰذه الظروف الخَطِرة المحيطة بالوطن». وقد أكد البيان: «استشعار القوات المسلحة لخطر ما تتعرض له البلاد، إلى جانب مطالب للشعب المِصرى العظيم، وأن ضياع مزيد من الوقت لن يحقق إلا مزيداً من الانقسام والتصارع. ودعت القوات المسلحة إلى تلبية مطالب الشعب في مهلة للجميع مدتها ٤٨ ساعة كفرصة أخيرة، تُعلن بعدها خارطة مستقبل وإجراءات تُشرف على تنفيذها». وفى الثالث من يوليو، بعد انتهاء المهلة المقررة، أصدرت القوات المسلحة بياناً، بعد الاجتماع إلى قيادات سياسية ودينية وشبابية وحزبية، ألقاه وزير الدفاع آنذاك، الفريق أول «عبدالفتاح السيسى»- حالياً رئيس ج. م. ع، يُعلن فيه نهاية رئاسة «محمد مرسى»، ويعرض خارطة طريق سياسية للبلاد اتفق عليها المجتمعون، وسلَّم فيها السلطة إلى رئيس المحكمة الدُّستورية العليا حتى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
لقد كان أهم ما يميز «ثورة ٣٠ يونيو» ٢٠١٣م هي «سلمية الشعب التامة» وهو يخرج ليقدم مطالبه. ولهٰذا، وفى جولة سريعة، أَعرِض لبعض «الثورات السلمية» التي شهِدها العالم.
«روسيا»
شهدت «روسيا» ثورة سلمية من العمال، قادها الراهب الروسى الأرثوذكسى «جورجى أبولونوڤيتش جابون»، في فبراير ١٨٧٠- إبريل ١٩٠٦م. فقد قام «جورجى»، بقيادة الحركات العمالية قبل الثورة الروسية وفى أثنائها. واستطاع حشد أكثر من مائة وخمسين ألف عامل روسى كاحتجاج سلمى على سلطات القمع في «روسيا» آنذاك. ويرتبط اسم «جورجى» باسم «الأحد الدامى» عندما قُتل آلاف العمال في ٢٢/١/١٩٠٥م في «سانت بطر سبرج»، حين تقدَّم العمال المتظاهرون غير المسلحين نحو «قصر الشتاء» لتقديم التماس إلى القيصر «نيقولا الثانى»، فأمطرهم الحرس الإمبراطورى الروسى بطلقات الرَّصاص!! وقد أدى حدث «الأحد الدامى» إلى وقوع عواقب وخيمة على نظام القيصر، إذ كان هو الشرارة الأولى لاندلاع الثورة الروسية في عام ١٩٠٥م، بعد أن أثار غضباً عارماً لدى الشعب الروسى والعمال خاصة.
«الدِّنْمارك»
وقعت «الدِّنْمارك» فريسة للاحتلال النازى. ومع أنه لم تكُن مقاومة من الحكومة لذٰلك الاحتلال حقناً لدماء الشعب، إلا أن الشعب رفض الوجود النازى على أراضيه، وبدأ في مقاومة النازية بأساليب سلمية منها: إضرابات العمال، وتدمير خطوط السكك الحديدية، مع إعلاء الروح الوطنية لبلادهم من خلال التمسك بالنشيد والأغانى الوطنية، ورفض التحدث بالألمانية أو التعامل الاقتصادى بالشراء أو البيع للنازيِّين، حتى استطاع فرض حالة من الركود التام في بلاده، ما أجبر النازيِّين على إنهاء حالة الحظر والحصار المفروضة على البلاد. كذٰلك رفض الدِّنْماركيُّون تسليم اليهود للنازيِّين وقاموا بتهريبهم إلى «السويد».
«أمريكا»
شهدت «أمريكا» حالة من التمييز العنصرى الكبير الذي تصدى له «مارتن لوثر كينج چونيور» في يناير ١٩٢٩- إبريل ١٩٦٨م، هٰذا الزعيم الأمريكى كان من أصول أفريقية، وطالب بإنهاء سياسة التمييز العنصرى ضد السُّود في الجنوب. بدأ «كينج» نضاله بعد حدث وقع لسيدة سوداء تُدعى «روزا باركس»، رفضت أن تترك مِقعدها في حافلة نقل عام لراكب أبيض، فاستدعى السائق رجال الشرطة الذين ألقوا القبض عليها. وفى جهاده رفض «كينج» استخدام العنف في كل أنواعه، معتمداً على مبدأ «المقاومة السلمية» متأثراً بالزعيم الهندى «ألمهاتما غاندى»، مستشهداً دائماً بقول السيد المسيح: «أحِبوا أعداءكم، بارِكوا لاعنيكم، صلُّوا من أجل الذين يُسيئون إليكم ويطردونكم». وهٰكذا قاد حملة سلمية امتدت قرابة خمسة عشَر عامـًا، مستخدمـًا المسيرات والعصيان المدنيّ والمقاطعة والإضراب. وقد استطاع «كينج» أن يُخضع البِيض للتفاوض بشأن أوضاع المُلونين وحقوقهم، ومن أجمل كلماته التي ألقاها في خُطبة له، في أثناء احتشاد إحدى المظاهرات الكبرى التي اشترك فيها ٢٥٠ ألف شخص، منهم ٦٠ ألفاً من البِيض: «لدى حُلم بأن، يوما من الأيام، أطفالى الأربعة سيعيشون في شعب لا يكون فيه الحكم على الناس بألوان جُلودهم، ولٰكن بما تنطوى عليه أخلاقهم».«إستونيا» و«لاتڤيا» و«ليتوانيا»
وفى أواخر الثمانينيات من القرن الماضى، تجمَّع قرابة ثلاثمائة ألف مواطن في العاصمة الإستونية، في سلمية تطالب بالاستقلال عن «الاتحاد السوڤيتى» الذي احتل البلاد. استخدم الشعب الأناشيد الوطنية التي مُنعت في أثناء حكم السوڤييت. واستمرت الثورة قرابة الأربع سنوات قام فيها الشعب بعدد من مرات الاعتصام والعصيان المدنى. وفى عام ١٩٩١م، قام المتظاهرون بعمل حواجز بشرية لحماية مَِحطات الإذاعة والتليفزيون من الدبابات السوڤييتية ونجحوا في وقف تقدمها حتى تحقق الاستقلال لدولة «إستونيا» في ثورة بيضاء دون إراقة نقطة دم.
كذٰلك استخدمت «لاتڤيا» الطريقة نفسها لتحقيق استقلالها عن السوڤييت، حيث أطلقت حملة عدم الدخول في تعاون مع السوڤييت. وفى عام ١٩٨٩م، قام المتظاهرون بعمل سلسلة بشرية من الشعب بطول ٦٠٠ كيلومتر بين مدينتى «تالين» و«ريغا» طلباً للاستقلال الذي تحقق لها.
كذٰلك في عام ١٩٨٨م، قام الشعب في «جمهورية ليتوانيا» بتظاهرات سلمية ضد «الاتحاد السوڤيتى» الذي استخدم العنف تجاه المتظاهرين السلميِّين في حدث «الأحد الأسود». ولٰكنّ الشعب استطاع الحصول على الاستقلال في النهاية عام ١٩٩١م بثباته على سلميته.