تحدثنا في المقالة السابقة عن العمل الجماعيّ الذي يجعل الإنسان ينطلق في تحقيق الإنجازات، ويشجع أفراده علي بذل مزيد من الجُهد، وفي الوقت نفسه يخفف المهام الملقاة علي عاتق كل شخص، ويوحد المجموعة علي التصدي للمشكلات. وقد بدأنا قصة الفأر الصغير الذي يعيش في إحدي المزارع، وعندما اكتشف وجود مصيدة للفئران أخذ يحذر الدجاجة والخِنزير والثَّور، إلا أن هذه الحيوانات رأت جميعها أن المشكلة لا تتعلق بها، ولن تكون لها نتائج عليها، بل إن خطرها ينصب علي الفأر فقط. لذا حين أدرك الفأر هذا عاد إلي المنزل مدركًا أنه لن يجد من يساعده، وعليه التصدي للمصيدة بمفرده. وتقول القصة المجازية إنه في تلك الليلة صدر صوت من المصيدة يدل علي أنها أمسكت بفريستها، وسُمع الصوت في أرجاء المنزل، ما جعل زوجة المزارع تُسرع لتري ما أمسكت به المصيدة. إلا أن شدة الظلام لم تجعلها قادرة علي رؤية الفريسة التي كانت أفعي أغلقت المصيدة علي ذيلها في داخلها. وما إن اقتربت الزوجة حتي لدغتها الحية ما سبب لها ارتفاعًا شديدًا في درجة الحرارة. قرر زوجها أن يعالجها من تلك الحمي بعمل حساء من الدجاج، فاتجه نحو المزرعة وذبح الدجاجة. ولكن مرض الزوجة اشتد. وبدأ أصدقاؤهما في الزيارات ما جعل المزارع يُعد طعامًا أكثر، فقام بذبح الخِنزير. ساءت أحوال الزوجة وماتت! لذا قدُم عدد كبير من المعزين؛ وهنا اضطُر المزارع إلي ذبح الثَّور لإطعامهم. وهكذا أدت المصيدة إلي قتل الحيوانات الثلاثة التي اعتقدت أن مشكلة المصيدة تخص الفأر. لذلك عندما يلاقي أحد الأفراد مشكلة، قد نعتقد أنه لا شأن لنا، ولكن ينبغي أن نُمعن التفكير. فالمشكلات التي تعترض طريق الحياة ونظن أنها خاصة بفرد في الجماعة بعينه دون الآخرين إنما هي لكل أفرادها؛ لأن جميع أمور الحياة متشابكة، ومن يصنعون النجاح معًا يجب أن يحُلوا المشكلات معًا. وعندئذ يفكرون ويتناولون ما يلاقونه بأسلوب أعمق وحلّ أفضل. لذا، حين نعمل «معًا» يزداد شعور الفرد بالأمان في إطار المجموعة التي يعمل من خلالها. وفي العمل «معًا» يمكننا أن نستفيد من كل الخبرات والمهارات المتاحة، فمهما تعلم الإنسان وتدرب لن يستطيع أن يتميز في كل المهارات؛ من الممكن أن يمتلك بعضها ولكن بنسب متفاوتة. أما في العمل «معًا» فتتنوع المهارات وتتكامل لتُسرع بالعمل نحو النجاح والتميز. ويظهر قدرة العمل الجماعيّ الإبداعيّ في المقطوعات الموسيقية؛ فلا غني عن آلة مهما صغُر دورها. إلا أن العمل الجماعيّ قد يلاقي بعض المعوقات منها «عدم المرونة»، فمن يعمل عملًا في إطار مجموعة ينبغي أن يكون علي درجة كافية من المرونة في الفكر وقبول الرأي المخالف له. كذلك يحتاج أيضًا إلي مرونة في معاملة الشخصيات المتنوعة والمختلفة لإنجاح العمل. وبذلك فنمو الشخصيات ونضجها في العمل الجماعيّ يفوقهما في العمل الفرديّ نتيجة الاحتكاكات والتعاملات التي تُكسب الإنسان مهارات عليا في التعامل الإنسانيّ. مشكلة أخري، هي تحول الاختلاف في الرأي إلي قضية شخصية، قد تصل إلي العداء بين بعض الأشخاص. فحدوث هذا يؤدي إلي حجب كل إنسان لرأيه ما يؤدي إلي خَسارة حقيقية؛ فالاختلاف بين الأفراد أمر طبيعيّ وصحيّ، ومن خلال هذا الاختلاف تنطلق المجموعة «معًا» إلي مزيد من الاقتراحات المبتكرة التي تحقق النجاح بأسلوب أفضل وأكثر تميزًا. وللحديث بقية.. .