“عاد من عمله بعد يوم شاق طويل، لٰكنه لا يختلف كثيرًا فجميع الأيام التى يعيشها متشابهة؛ إلا أنه كان (يومـًا) يحمل فى أعماقه ألمـًا لا يدرى سره، فاليوم انقضى كعادته دون التعرض لأى مواقف غريبة أو محبطة تسبب له ذٰلك الشعور الخفى بالألم الذى يجتاح مشاعره.
وبينما هو مشتت الفكر، إذ ترتسم أمام عينيه كلمات أحد الأخبار التى قرأها فى جرائد اليوم السابق عن صديق قديم له ينال تكريمـًا عالميـًّا لجُهوده فى خدمة الإنسان! وتذكَّر أنهما فى يوم ما كانا يقفان على الطريق نفسه؛ وهنا سمِع أصداء صوت يتردد فى أعماقه: أين أنت الآن من آمال عشتَها؟ وتساءل: أهو من كان عليه أن يصنع الحياة، أم هى صاحبة القرار فى مصائر البشر؟”.
يمضى بعض البشر فى الحياة دون أن يُدركوا معالم طريقها، فحيث سارت بهم وصاروا إليها ارتسم طريقهم. وهناك من يخشى المسير، قابعـًا فى الطريق، يمر عليه مسافرو الحياة ويعبرون، ويظل هو واقفـًا يخشى المضى قُدمـًا ! وفى المقابل، نجد فى الحياة من ظل يقظـًا، موقِنـًا بدروسها، مرددًا: “أظل أتعلم من الحياة حتى أصل إلى ما أتمناه من مستقبل يليق بى، وبهبة الحياة التى أُعطِيتُ أن أعيشها. ولن أخشى الخطأ، بل أظلُّ أحاول وأخطئ حتى أُتقن ما أريد أن أتعلمه.”. وهنا قد يسأل الإنسان: أين هو من طريق الحياة؟ وأين هو من آماله، وأحلامه، وأهدافه؟
يقول أحدهم: “أنا فخور جدًّا بالأشياء الكثيرة التى أنجزتُها، وفخور كذٰلك بتلك التى فشِلتُ فيها!”. لقد أدرك أن ما صنعه يُحسب له، وبه يتقدم فى الطريق مهما كان، وأن تلك الخبرات التى قد يُطلِق عليها البعض “فشلاً” ما هى إلا تجارب منحته الخبرات لتَضيف عمقـًا واتساعـًا أكبرين إلى أفكاره، ومشاعره، وشخصيته. بل العجيب أن تصبح متعته أن يحاول فى جميع أمور حياته، دون يأس أو إحباط أو تردد، فنراه يُطرق أبوابـًا لم يُطرقها أحد من قبل، وهٰكذا يرسُم مسالك جديدة فى طريق الحياة يتتبع آثارها كثيرون.
وعن مواقف الحياة يقول أحدهم: “هناك مواقف أيقظتنى وصنعتنى من جديد، وهناك عَلاقات توقعتُ منها كثيرًا ووجدتُ منها قليلاً! وهناك دُروس لم تكُن بالحُسبان، لٰكنها علمتنى كثيرًا فى الحياة”. لذٰلك، لتكُن مواقف الحياة التى تمر بك هى خُطوة إيجابية لحياتك، ترتفع بها إلى أعلى وتكون وتُكوِّن عمقـًا لك فى الداخل. لتكُن هى كَنزك الذى لا يستطيع أحد أن ينزِعه منك، فلا يمكن أن ينتزِع منك أحد خبراتك، وإصرارك، وقدرتك على العمل وما تعلمته. لا يستطيع أحد أن يؤثر فى حياتك مِن دونك! فالطريق إليك إنما هو أنت! والسبيل لك هو ما تسمح به أنت للآخرين.