أهنئ المِصريين جميعًا بمناسبة الاحتفال بتَذكار «دخول العائلة المقدسة أرض مِصر»، الذى احتفلنا به أمس. ومن المعروف أن «مِصر» البلد الوحيد الذى تبارك بقدوم «العائلة المقدسة» إليه، حيث استقبلت «السيد المسيح» وأمه «القديسة العذراء مريم»، فعاشا بين رُبوعها فى مدنها وقراها مع «القديس يوسف النجار». إن رحلة هروب «العائلة المقدسة» إلى «مِصر» حدث دينىّ تاريخىّ فريد، تتزين وتستضىء به صفحات التاريخ الإنسانىّ؛ لتمتاز به أرض «مِصر» عن سائر بلاد العالم؛ وتُمنح به تلك البركة الخالدة: «مباركٌ شعبى مِصر». كل عام وجميعكم بخير وسلام، ونضرع إلى الله أن يُديم على بلادنا البركات، ويحفظها من الشرور، ويرفع عن العالم الوباء.
بدأ حديث المقالة السابقة عن «البابا خرستوذولوس»، الـ٦٦ فى بطاركة الإسكندرية. سِيم بطريركًا بغير إرادته. ومن أعماله: نقله المقر البابوىّ من «الإسكندرية» إلى «القاهرة»، وتشييده وترميمه كثيرًا من كنائس «مِصر»، ووضعه عددًا من القوانين الطقسية.
متاعب داخلية
تعرض هذا الأب البطريرك لأتعاب داخلية عدة، كواقعة وفود أساقفة إلى القاهرة، هم: أسقف «سخا»، وأسقف «قطور»، وأسقف «طموية» وأسقف «الخندق»، وأسقف «البلينا»، وأسقف «تنيس»، يصحبهم آباء من كهنة الإسكندرية، متفقين على خلعه من منصبه!!، مدعين أن وقت رسامته لم تُقرأ عليه الصلوات التى جرت عادة قراءتها فى سيامة البطاركة!!، أما السبب الحقيقىّ الذى جعلهم يُقبلون على فعلتهم تلك، فكان خصومة دبت بين «أنبا يوحنا» أسقف «سخا» وبين البابا البطريرك. لكن الأمور انصلحت فيما بعد بحكمة البابا، وبتدخل أحد الأراخنة (أبى زكريا يحيى بن مقارة) صاحب ديوان الملكة، الذى تمكن من تهدئة الأمور وحلها بين البابا وأسقف «سخا». ومن أتعابه أيضًا رغبة أحد الرهبان، ويُدعى «فلوطُس»، أن يصير أسقفًا؛ فجدّ فى طلب السيامة من «البابا خرستوذولوس» فلم يقبل؛ فأرسل الراهب شكاوى كثيرة إلى الخليفة، حتى قبض على الأب البطريرك، وصادر كل ما لديه من مال!!.
متاعب خارجية
مرت بـ«البابا خرستوذولوس» شدائد خارجية، كان أولها أنه قُدمت فيه شكوى إلى الوزير «اليازورى»: أنه يستخدم ما لديه من سلطان وتأثير فى ملك النوبة، بهدف قطع العَلاقات التجارية بالبلاد والامتناع عن إرسال الجزية؛ فأمر الوزير «اليازورى» بإلقاء القبض على البابا، وتغريمه مائة دينار، مرسلًا أمره مع غلام تركىّ إلى الوزير «عضُد الدولة» القائم على شُؤون الحرب. فقبض الغلام على الأب البطريرك وأوصله إلى «عضد الدولة»، الذى أكرم الأب البطريرك وأنزله فى داره، ثم تدخل هو و«أبو البشر» الطبيب وكذّبا التهم الموجهة إلى البابا، موضحَين أن عَلاقة «كنيسة الإسكندرية» بـ«كنيسة النوبة» دينية فقط ولا شأن لها بالأمور السياسية. فأمر «اليازورى» بالإفراج عن «البابا خرستوذولوس».
ولم تتوقف الحروب الموجهة إلى البابا؛ فقد قاومه أحد القضاة، ويسمَّى «أبا الحسين عبد الوهاب بن علىّ السيرافىّ»، كان قد عُزل من خدمة تولاها ثم صار قاضيًا بـ«الإسكندرية»، وكان لا يحب المَسيحيين، فذهب ذات مرة إلى «دمرو» حيث كان «البابا خرستوذولوس»، ولم يهب له البابا شيئًا؛ فوشى بالبابا إلى الوزير «اليازورى»، متهمًا إياه بتهم عديدة، مضيفًا أن البطريرك بنى كثيرًا من الكنائس وجدد أخرى، وأنه شيد لنفسه مقرًّا كتب عليه البسملة المَسيحية، كما اتهمه بازدراء الأديان؛ ثم أشار هذا القاضى على «اليازورى» بإغلاق الكنائس وبتهديم الجديد منها. فاستجاب «اليازورى» لكتابات هذا القاضى، طالبًا منه أن يستدل على ما تضمنته شكواه بالشهود.
فاصطحب القاضى معه جماعة من الشهود، ونزل إلى مدينة «دمرو»، ووجد على باب المقر «البسملة» فمحاها بسيفه، فقال الأب البطريرك له: «إذا كشطتها من على الباب، فهل تقدر أن تكشطها من قلبى؟!» ثم أمر «اليازورى» بإغلاق الكنائس كافةً بجميع بلاد «مِصر»، وطالب البابا والأساقفة والمَسيحيين بمبلغ سبعين ألف دينار، فكانت أيام شدة وضيق. وسخط الخليفة «المستنصر بالله» على الوزير «اليازورى»، وأمر بالقبض عليه ونفيه إلى «تنيس»، ثم أمر بقتله. وفى تلك الأيام كان من الولاة من يحبون المَسيحيين ويقدمون لهم الرحمة، ومنهم والى مِصر «سِنان الدولة بن كابر»، ووالى الإسكندرية «الأمير المؤيَّد حصن الدولة أبو تراب حَيْدَره بن ميروا الكتامىّ». وقد عاصر «البابا خرستوذولوس» الشدة المستنصرية و… والحديث فى «مِصر الحلوة» لا ينتهى!.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى