يتحدث إنجيل هٰذا الأحد من (يوحنا ٤: ١-٤٢)، وهو إنجيل السامرية؛ وتجدُر بنا الإشارة إلى أن هٰذا الفصل من الإنجيل: يُقرأ أيضًا في الأحد الرابع من الصوم الكبير، ويسمى بـ”أحد السامرية”، حيث نرى السيد المسيح يسعى نحو النفس البشرية كي تقدم توبة وتعود إلى أبيها السمائيّ، فيكون التركيز في بحث الله ـ تبارك اسمه ـ عن خلاص كل نفس بشرية وإعلان إرادته لها؛ أمّا في مدة “الخمسين المقدَّسة”، فإن المغزى يتركز في شخص السيد المسيح الفادي المخلِّص.
وفي إنجيل الأحد الماضي، تكلمنا عن الله الذي يقدم “الشِّبَع الحقيقيّ” إلى النفس الإنسانية، عندما قال السيد المسيح: “من يُقبِلْ إليَّ فلا يجوع، ومن يؤمنْ بي فلا يعطَش أبدًا.”. واليوم، يكرر الحديث عن هٰذه الفكرة عندما يقول للمرأة السامرية: “كل من يشرب من هٰذا الماء يَعطَش أيضًا. ولٰكن من يشرب من الماء الذي أُعطيه أنا فلن يَعطَش إلى الأبد، بل الماء الذي أُعطيه يَصير فيه ينبوع ماء ينبَُِع إلى حياة أبدية.”. إننا عندما نتأمل في سعي الإنسانية الدائم وانشغالها في الحياة، نجده سعيًا للبحث عن الشِّبَع الذي لا يضمنه العالم، فيقضِّي البشر أعمارهم وراء سراب! وطوبى لمن يُدرك أن الطريق الحقيقيّ والأمان الكامل هما في الله!
ومن منطلق احتياج المرأة السامرية، يبدأ الحديث لتقدم تساؤلاتها في بساطة، فنجد السيد المسيح يتقدم بها خَُطوة تَلْو الأخرى نحو المعرفة والإيمان:
فهي تسأل عن مكان السُّجود لله، إذ كان الهيكل في “أورُشليم” هو موضع العبادة والسُّجود فقط، في حين كان السامريُّون يرَون أنه على الجبل الذي سجد فيه “يعقوب” أبو الأسباط؛ ويُجيبها السيد المسيح بأن السُّجود لله أمر روحيّ لا يرتبط بمكان، بل يقدَّم إلى الله بقلب ونفس صادقين في كل مكان. ثم تنتقل المرأة إلى السؤال عن المسيح المنتظَر، ليُعلن لها السيد المسيح أنه هو من يحادثها: “قالت له المرأة: «أنا أعلم أن مَسِيّا، الذي يقال له المسيح، يأتي. فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شيء». قال لها يسوع: «أنا الذي أكلمك هو».”؛ ومن ثَم تنتقل المرأة إلى مرحلة جديدة وهي الحديث عن السيد المسيح لأهل بلدتها، الذين جاؤوا وآمنوا، قائلين: “إننا لسنا بعدُ بسبب كلامك نؤمن، لأننا نحن قد سمِعنا ونعلَم أن هٰذا هو بالحقيقة المسيح مخلِّص العالم.”.
وهٰكذا نجد مع الله: الشِّبَع، والمعرفة، والخير الذي نسعى نحوه.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ