تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، اليوم الثلاثاء، 8 مايو بعيد استشهاد القديس مارمرقس الرسول، وهو أول وأشهر الشهداء في مصر وهو يوحنا الملقب مرقس، وينحدر أصله من اليهود الذين كانوا قاطنين بالخمس المدن الغربية المسماة “بنتابوليس” Pentapolis التي كانت تقع في منطقة برقة بشمال أفريقيا.
وكان ميلاد مرقس في مدينة القيروان التي تقع في إقليم ليبيا بهذه المنطقة. وكان مرقس منذ ولادته ينعم بما كان لأسرته من ثروة كبيرة وأراضي زراعية شاسعة ولذلك تمكن أبواه من أن يهيئا له أفضل سبل التعليم والثقافة، فأتقن اللغتين اليونانية واللاتينية، كما أتقن اللغة العبرية وتعمق في دراسة كتب التوراة والناموس اليهودي. غير أن بعض القبائل المتبربرة من البدو هجمت على أسرة مرقس في القيروان وهبتها -وكان ذلك في عهد الإمبراطور الروماني أغسطس قيصر- فاضطرت الأسرة إلى الهجرة، ومن ثم نزحت إلى فلسطين موطن أجدادها الأولين. وكانت قد استقرت هناك حين بدأ السيد المسيح ينادي ببشارته، وبذلك أتيح للقديس مرقس في حداثته أن يري السيد المسيح ويؤمن به ويصبح من تلاميذه.
وكذلك تبعته أم مرقس واستضافته في بيتها. وصارت من النسوة اللاتي يخدمنه، كما كان بيتها هو أول كنيسة مسيحية في العالم. وفي بيتها تناول السيد المسيح عشاءه الأخير مع تلاميذه عشية صلبه. وفيه كان يجتمع التلاميذ بعد قيامه السيد المسيح، حيث دخل عليهم وأظهر لهم نفسه. وفي هذا البيت حل الروح القدس عليهم.
قدومه للإسكندرية
وقد كان قدوم مرقس الرسول إلى الإسكندرية في الغالب عن طريق الواحات، ثم الصعيد ثم تقدم شمالًا نحو بابليون ويقال أنه في هذه الفترة كتب إنجيله باللغة اليونانية ثم غادر بابليون إلى الإسكندرية، وهو لا يفتأ يجول مبشرا في الطرقات وكان حذاؤه قد تمزق فمال علي إسكافي في المدينة يدعي انيانيوس ليصلحه. وفيما الإسكافي يفعل ذلك دخل المِخراز في يده فأدماها، فصرخ قائلًا “ايس ثيئوس” أي “يا الله الواحد” فانتهز القديس مرقس هذه الفرصة واخذ يده فشفاها، ثم راح يبشرها بذلك الإله الواحد الذي هتف باسمه وهو لا يعرفه، فآمن الإسكافي بكلامه ودعاه إلى بيته، وجمع له أقاربه وأصحابه فبشرهم بالمسيح وعمدهم فكانوا هم باكورة المؤمنين في مصر كلها.
وأسس القديس مرقس بالإسكندرية مدرسة لاهوتية لتتصدي لتعاليم المدرسة الوثنية التي كانت هي الخلفية الطبيعية لمدرسة أثينا وكان يقوم بالتدريس فيها أكبر الفلاسفة الوثنيين في ذلك الحين.
وأقام مرقس الرسول القديس يسطس أول رئيس للمدرسة اللاهوتية، هو الذي صار فيما بعد سادس بابا للإسكندرية.
مرقس واضع القداس الإلهي
كما أن القديس مرقس وضع القداس الإلهي للصلوات الكنسية المصرية وهو المعروف بالقداس المرقسي والكيرلسي نظرا لأن البابا كيرلس الأول هو الذي دونه بعد أن كان رجال الكنيسة يتسلمونه بعضهم من بعض شفهيًا. فلما رأى الرومان بوادر نجاح الرسول في بشارته اشتد حنقهم عليه وراحوا يتربصون به ليقتلوه. ولكنه واصل أداء رسالته غير عابئ بما يدبرون ثم اعتزم أن يترك مصر بعض الوقت ويعود ليفتقد أولاده من المؤمنين في الخمس مدن الغربية ثم مضي منها إلى أفسس حيث تقابل مع القديس تيموثاوس، ثم اتجه إلى روما تلبية لدعوة القديس بولس الرسول، وبقي معه هناك حتى استشهاده في سنة 68م، وبعد ذلك عاد إلى مصر واستأنف فيها عمل الكرازة وقد كان عدد المؤمنين لا يفتأ يتزايد تزايدا عظيما. فلما كثر عدد المؤمنين وتوطدت دعائم الكنيسة التي أسسها تغلغل الحقد في قلوب الوثنيين عليه واضمروا الغدر به، حتى إذا كان عيد القيامة المجيد في 26 ابريل سنة 68م الذي يوافق 30 برمودة بالتقويم المصري القديم وكان المسيحيون يحتفلون بهذا العيد في كنيسة بوكاليا وقد تصادف أن كان ذلك اليوم هو نفسه يوم الاحتفال بعيد الإله الوثني، وقد تدفقت جموع الوثنيين للاحتفال بهذا العيد، فلما علموا أن القديس مرقس يحتفل بعيد القيامة في الكنيسة مع شعبه حتى اندفعوا إلى الكنيسة في جموع ساخطة وهجموا على مارمرقس ووضعوا حبلا في عنقه وألقوه على الأرض وراحوا يسحلونه في طرقات المدينة وساحاتها وهو لا يفتأ يرتطم بالأحجار والصخور حتى تناثر لحمه ونزف دمه واستمروا يفعلون به هكذا طوال النهار، حتى إذا خيم الليل ألقوا به في السجن.
مقتل مارمرقس
ثم في فجر اليوم التالي عاد الوثنيين إلى القديس مرة أخرى، وربطوا عنقه أيضًا بحبل غليظ، ثم راحوا يسحلونه كذلك في كل طرقات الإسكندرية حتى اسلم الروح. على أن موت القديس لم يهدئ من ثائرة الوثنيين وحقدهم فاعتزموا حرق جثته بعد موته إمعانا في التنكيل به والتشفي منه وبالفعل جمعوا كومه عظيمة من الحطب واعدوا نارا للمحرقة، ولكن أسرع جماعة من المؤمنين فأخذوا الجسد وحملوه إلى كنيسة (بوكاليا) ووضعوه في تابوت ثم صلي عليه خليفته القديس إنيانوس مع الإكليروس والشعب ودفنوه في قبر نحتوه في الجانب الشرقي من الكنيسة أطلقوا عليها اسم كنيسة القديس مرقس، وتحتفل الكنيسة القبطية في كل الأنحاء بذكري استشهاد القديس يوم 30 برمودة من كل عام وقد كان استشهاده في الثامنة والخمسون من عمره.
شهرة اسم مارمرقس
وقد اشتهر أسم القديس مرقس على مدى التاريخ المسيحي والقبطي فأصبح يطلق بعده على كثير من البطاركة والأساقفة والكهنة والرهبان والكنائس باعتباره هو كاروز الديار المصرية ومؤسسها.
فمن بطاركة الأقباط الأرثوذكس أطلق اسم هذا القديس على سبعة منهم وهم البابا مرقس الثاني البابا 49 – البابا مرقس الثالث البابا 73 – البابا مرقس الرابع البابا 84 – البابا مرقس الخامس البابا 98 – البابا مرقس السادس البابا 101 – البابا مرقس السابع 106 – البابا مرقس الثامن 108.
أما الأساقفة الذين أطلق عليهم اسم القديس مرقس فكانوا كثيرين جدًا، لم يخل منهم عهد ومكان ومن أمثلة ذلك انه عندما قام البابا بنيامين وهو الثاني والثمانون بصنع الميرون شاركه في ذلك اثنا عشر أسقفًا كان منهم أربعة باسم مرقس. وفي عهد البابا ديمتريوس الثاني (111) كان وكيل الكرازة المرقسية وهو الأنبا مرقس مطران البحيرة. كما كان يوجد بهذا الاسم الأنبا مرقس مطران أبو تيج. ويوجد حاليًا الأنبا مرقس الأسقف الأرثوذكسي لمرسيليا وطولون بفرنسا، إلخ.
أما الكهنة والرهبان والنساك الذين يحملون اسم القديس مرقس فعددهم كبير. وقد بنيت كنائس كثيرة في أنحاء مصر باسم القديس مرقس فأندثر بعضها وبقيت آثار البعض الآخر.
أشهر ألقاب مارمرقس
اشتهر مارمرقس الرسول، بعدة ألقاب منها (القديس الشهيد ناظر الإله الإنجيلي الناطق بالإلهيات الرسول – تلميذ المسيح احد السبعين الكرسي الطاهر الرسولي).