“أحد السَّعَف” أو “أحد الشعانين” هو الأحد الذي دخل فيه السيد المسيح إلى “أورُشليم” واستقبلته جموع الشعب فيه كملك متوج، لا على كرسيّ حُكم، بل على القُلوب. وما يسترعي الانتباه هنا هو ما أظهره الشعب من ابتهاج لاستقبال السيد المسيح: فمنهم من حمل الأغصان والسعف، ومنهم من فرش الثياب أمامه ولجميع، ومن بينهم الأطفال، والكل يهتِف بصوت عظيم حتى قيل إن مدينة أورُشليم كلها قد ارتجت! وطالب رؤساء الكهنة والكتبة السيد المسيح أن يُسكتهم، فأجابهم: “أقول لكم: إنه إن سكت هٰؤلاء فالحجارة تصرخ!”؛ وهنا أتوقف عند سؤال: ما الذي جعل الجُموع تُملِّك السيد المسيح على قلوبها على الرغم من بساطة حياته، وعدم امتلاكه الأموال أو الثروات، بل ليس له أين يسند رأسه؟!
إن قوة تأثير الأشخاص في البشر لا تسير وَفقًا لقواعد مفاهيم العالم من السلطة أو الثراء أو غيرها، بل تكون لأولٰئك الذين يتراءفون على البشر، ويحملون لهم الحب والرحمة والأمل. فالسيد المسيح قدم للجميع محبة فائقة: صار يجول بين الكل يصنع خيرًا، يشفي الأمراض ويسنُد الضعفاء، لم يرفُض نفسًا لجأت إليه في ضَُعف أو احتياج، أو طلبًا للتوبة؛ مهما كانت شُرور ماضيها، قبِل الجميع، وتحنن على الجميع، وصار يخدُِم الكل في تواضع ورحمة عجيبين، وهو السيد والمعلِّم!! شارك البشر آلامهم وأحزانهم وأفراحهم وعلمهم الطريق والحق؛ فصار يزرع في قلوب الكل معنى المحبة والخير، وفي محبته ورحمته كان يتحرك هو نحو الأنفس التي لا تستطيع الوصول إليه فينادي “زكا العشار” القابع فوق الشجرة، ويسير ساعات طوال إلى “السامرية” من أجل توبتها، ويذهب إلى “مريض بركة بيت حسدا” الذي ليس له أحد يساعده ظالاًّ مريضًا ثمانية وثلاثين عامًا، وغيرهم كثيرون مما لا تتسع له الكتب.
في الوقت نفسه، كان يقدم الحق: فوبخ كل تكبر وقساوة كان يحملها رؤساء الكهنة والكتبة والفريسيُّون نحو الأنفس الضعيفة التي تعاني، حتى إنهم كثيرًا ما هاجموه من أجل خدمته ووجوده الدائم بين أولٰئك الأشخاص الذين كانوا بمنزلة خطاة غير مستحقين لديهم! لقد كانت خدمة السيد المسيح وتحننه على البشر فائقين، ما جعل منه ملكًا على الأنفس والقُلوب وظهرت هذه الرغبة جليًّا وقت استقباله في أورُشليم؛ إلا أنه لم يأتِ ملكًا أرضيًّا.
قرأت كلمات تقول: “فكِّر، وأجِب عن هٰذه الاسئلة: ما أسماء أكثر خمسة أثرياء في العالم؟ ما أسماء الفائزين بـ«جائزة نوبل» السنوات العشر الماضية؟ أهناك صعوبة ولا يمكنك الإجابة؟! لا تقلق، فلا أحد يتذكرهم جميعًا!! والآن حاول الإجابة عن هٰذه الأسئلة: اُذكر أسماء ثلاثة أساتذة كان لهم تأثير فيك أثناء حياتك الدراسية. اُذكر أسماء ثلاثة أصدقاء وقفوا بجانبك في وقت شدتك. هل يمكنك أن تذكر بعض الأشخاص الذين جعلوك تفكر بأنك إنسان متميز ويمكنك النجاح؟ أعتقد أنك وجدتَ إجابات لهٰذه الأسئلة.”.نعم، فإن من نتذكرهم في الحياة ليسوا هم من ذوي الثراء أو أصحاب الجوائز، وإنما هم أولٰئك الذين قدموا الرعاية والحب والسند في وقت ظننا أن كل الآمال قد اختفت وتوارت! إنهم أولٰئك الذين يعضدونك ويشجعونك.
كل عام وأنتم بخير.
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ