قال إن ما وصفه “روبنز” من مشاعر السعادة التى تصاحب العطاء لأحاسيس رائعة! أعتقد أن كثيرين يبتغونها، ومع ذٰلك فإنى أشعر بحيرة تجاه ذٰلك الأمر! فسارعت بسؤاله: لمَ الحَيرة؟! نظر إلى طويلاً وكأنه يحاول أن يستجمع الكلمات، وقال: لا أدرى كيف يمكننى أن أعبّر عن ذٰلك! ولٰكن ببساطة: مع أنه لا يوجد إنسان لا يتمنى سعادةً يحيا فى ظلها، بل يحيا طيلة حياته ساعيًا فى البحث عنها، إلا أن قليلين هم من يسلكون درب العطاء ويتمتعون بما فيه من سعادة عرَفها واختبرها جميع سالكيه. بل ما أجده أشد غرابة أن أغلبية من يقدمون هم بسطاء لا يملكون كثير من المال!! وعلى النقيض، كثير ممن يمتلكون أموالاً ليس لديهم تلك الهبة العظيمة!!!
أجبته بعد لحظات صمت: عجيبة هى النفس البشرية، يا صديقى؛ تظل تبحث عن السعادة طوال أيام حياتها، وهى لا تدرك أن السبيل إلى ذٰلك هو التحرر من قُضبان أفكارها التى تسجنها وتأسرها فى ذاتها فقط، فاقدةً الهدف الحقيقى الذى خُلق من أجله الإنسان؛ إنها أفكار غُرست فى أعماق الإنسان تصور له أن السعادة تكمن فى الأخذ والتحصل على مزيد! حتى إن كان ذٰلك على حساب آخرين!! أفكار تقول له: أنت أولاً ثم إن كان لديك وقت فالآخرون يأتون!!! فتُفقده بصيرته تجاه من هم حوله من إخوته فى البشرية، وتسير رحلة حياته ولا يرى فى الدرب سواه! وكيف يمكنه أن يمنح وهو لا يدرك إلا ذاته ورغباته وحاجاته، ولا يصل إلى مسامعه تأوهات المتألمين؟!!
أيضًا أفكار تقنع أصحابها أنه كلما ازداد ما لديهم من مال أو ممتلكات أو مكانة ازدادت سعادتهم، فيزدادون مالًا وتزداد الحياة شقاءً!! أفكار تتردد فى ذهن الإنسان وقلبه، صارخةً بأن أمنه وسلامه فقط فى أن يكتسب مزيدًا ومزيدًا!! ولا يدرى أن المستقبل هو فى يد الله فقط، وقد يأتى الوقت الذى لن يُفيده شيئًا مما أضاع العمر فى جمعه. وهنا استوقنى قائلًا: أوافقك فى هٰذا تمامًا؛ فمنذ أيام قرأت قصة عن رجل كان أغنى أغنياء العالم، وكان يضع أمواله فى خِزانة بحجم غرفة كبيرة فى منزله. وذات يوم، أُغلق الباب وهو داخل خزانته ولم يتمكن من فتحه، وظل على هٰذه الحال دون أن يسترعى غيابه انتباه أحد إذ كان دائم السفر والتغيب. حتى طالت فترة تغيبه. وعندما فُتحت الخزانة، وُجد وقد فارق الحياة بعد أن كتب بدمائه: “أغنى رجل فى العالم يموت جوعًا وعطشًا!!”.
استطردت قائلًا: نعم، ولٰكن ليس الموت فقط، بل إن كثيرًا من الأمور هى فى يد الله، وعندما يقدم الإنسان لله كل ما لديه من آمال وأحلام وثقة بل إمكانات مادية ومعنوية، فإن الله يدبر أموره على أفضل وجه، ولٰكن أنا لا أعنى أن لا يجتهد من أجل تحسين أحواله وقدراته، إنما أقصد ألا يكون أسيرًا لذاته بل يشارك الحياة مع من يسيرون معه درب الحياة، يشعر بهم وبآلامهم، فالشعور بالآخرين حاسة عظيمة لا تجدها إلا فى النفوس النبيلة.