يحتفل أقباط “مِصر” بعد أيام قليلة بـ”عيد الغطاس” الذي هو أحد أعيادهم الكبرى. ونصلي إلى الله من أجل سلام “مِصر” ومِنطَقة “الشرق الأوسط” والعالم، كما نطلب إلى الله أن يعزي جميع القلوب المتألمة في جميع أنحاء الوطن من أجل فقدان أعزاء لهم استُشهدوا بيد الإرهاب.
وفي “عيد الغطاس”، نتذكر شخصية النبيّ “يوحنا المَعمَدان” الذي استُشهد من أجل الحق؛ وقد تعددت جوانب شخصية هٰذا النبيّ العظيم الذي دُعي عظيمًا أمام الله. ففي البشارة بميلاده، قال الملاك لأبيه “زكريا الكاهن”: “وكثيرون سيفرحون بوِلادته، لأنه يكون عظيمًا أمام الرب، وخمرًا ومُسْكِرًا لا يشرب …”؛ بل شهِد عنه السيد المسيح بنفسه أنه “أعظم مواليد النساء”.
وأحد جوانب شخصية “يوحنا المَعمَدان” العظيمة يكمن في تواضعه: فمن ولادته حتى بَدء خدمته عاش ناسكًا متعبدًا لله في البراريّ، دون أن يسعى لمديح أو حياة مترفة أو تقدير من بشر، وظل مختفيًا في عَلاقة قوية بالله، حتى بدأت رسالته التي حملها للشعب وهي التوبة والعودة إلى الله، ولم يسعَ للشهرة بعد أن عرَفه الناس وجاؤوا إليه للاعتماد والتوبة والاستماع إليه، بل ظل بسيطًا في مأكله وملبسه؛ أيضًا عندما فكر الشعب أن “يوحنا” هو “المسيح”، وحين جاء إليه كهنة ولاويُّون ليسألوه: “من أنت؟”، كان واضحًا وقاطعًا مُقِرًّا: “إني لستُ أنا المسيح”، وشهِد له بتواضع: “أنا أعمدكم بماء، ولٰكن يأتي من هو أقوى مني، الذي لستُ أهلًا أن أحُل سُيور حذائه.”.
سمة أخرى تميَّز بها “يوحنا المَعمَدان”: هي “إعلان الحق” للجميع، فقد أعلن للشعب أنهم يعيشون في الشر والخطيئة والابتعاد عن الله الأمر الذي يؤدي إلى هلاكهم؛ فكانت رسالته المكلف بها إليهم أن يتوبوا، تاركين آثامهم وشُرورهم، متَّبعين أعمال الخير والرحمة مع الآخرين. كذٰلك لم يخشَ سلطان “هِيرُودُس الملك” بل أعلن له صوت الحق: أنه لا يَحِلّ له أن يتزوج بامرأة أخيه؛ وفي إعلانه للحق كان يُدرك أن الثمن قد يكون حياته، لٰكنه ظل ثابتًا مرددًا كلمات الحق: “لا يَحِلّ أن تكون لك امرأة أخيك”. وإعلان الحق يرتبط كثيرًا بالعدل: فمن يقترب إلى الحق يجد نفسه يسلك بعدل نحو الجميع.
إن “التواضع” و”إعلان الحق” يُعَدان جانبَي القوة في حياة “يوحنا المَعمَدان”: فبالتواضع لم يكُن محتاجًا إلى شيء من هٰذا العالم، بل مكتفيًا بعَلاقته القوية بالله، مقدمًا دوره بأمانة؛ فاكتسب قوة لا يمكن للعالم أن يهبها له؛ وبالحق الذي عرَفه وأعلنه في حياته صار صوتًا لم يصمُت على مر الأيام والأزمان.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ