تحدثنا فى مقالة سابقة عن «البابا غبريال الأول» السابع والخمسين فى بطاركة الإسكندرية، الذى تعرض لمحاربات روحية، فكانت نصيحة أبيه الروحى السلوك بنسك وتواضع وخدمة، فعاش متنسكًا متواضعًا حتى رُفعت عنه تلك الحروب والآلام. سار على خطى سلفه «البابا ميخائيل» بفرض ضريبة على كل أُسقف جديد ليسدد الأموال التى فرضها الحكام على الكنائس.
خلفه على الكرسى المرقسى «البابا قزمان الثالث» (الثامن والخمسون) الذى كانت أيامه هادئة إلا من واقعة صارت فى «الحبشة»: فبعد أن أرسل ملك «الحبشة» إلى «البابا قزمان الثالث» يطلب إليه تعيين مطران قبطيّ للكنيسة هناك وجعْله وصيًّا على ولديه، لبى البابا طلبه ورسم مطرانًا على الحبشة باسم «أنبا بطرس»، ثم حدث اعتلال فى صحة الملك، فأسرع باستحضار ولديه و«أنبا بطرس» وقدم إليه التاج طالبًا أن يضعه على رأس من يصلح للمُلك من ولديه ليتوجه ملكًا من بعده؛ وبالفعل توج الابن الأصغر الذى كان مشهورًا بأنه الأفضل فى تولى الحكم وشُؤون البلاد.
ولم يمضِ وقت طويل حتى وصل إلى «إثيوبيا» راهبان يُدعيان «بقطر» و«مينا» طلبا من «أنبا بطرس» مالاً فلم يُعطِهما، فدبّرا له مكيدة! فلبِس أحدهما ملابس الأساقفة والآخر تصنع أنه تلميذ له، وزوّرا كتابًا من الأب البطريرك إلى رجال الدولة يقول: بلَغنا أنه قد حضر عندكم إنسان ضالّ اسمه «بطرس»، وادعى أننا أوفدناه مِطرانًا عليكم وهو فى ذٰلك كاذب. والذى يحمل إليكم هٰذا الكتاب هو المِطران الشرعيّ «مينا». وقد بلَغنا أن «بطرس» المذكور قد توج ابن الملك الصغير دون الكبير، مخالفًا فى ذٰلك الشرائع الدينية والمدنية؛ فيجب حال وصوله أن تنفوا كلاًّ من المِطران والملك، وأن تعتبروا الأب «مينا» حامل رسائلنا هٰذه مِطرانًا شرعيًّا، وتسمحوا له أن يتوج الابن الأكبر ملكًا».
وأسرع الراهبان بتقديم تلك الكتابة المزورة إلى الابن الأكبر؛ فجمع رجال الدولة، وأعلمهم بها، فقاموا بنفى المِطران «بطرس»، ونزعوا التاج عن الابن الأصغر وتوجوا الأكبر. ولم يمضِ زمن طويل حتى وقع نفور بين المِطران الزائف ووكيله الذى نهب كل ما وجده وعاد إلى «مِصر».
وحين علِم «البابا قزمان الثالث» بما جرى حزِن حزنًا عظيمًا، وأرسل كتابًا إلى «إثيوبيا» يَحرِم فيها «مينا» الكاذب. فما كان من الملك إلا أن غضِب على «مينا» وقتله، ثم استدعى المِطران «أنبا بطرس» من منفاه ليعيده إلى كرسيّه، لٰكنه كان قد تنيَّح بسبب ما تعرض له من آلام! ويذكر بعض المؤرخين أن «أنبا بطرس» كان له تلميذ، فأقامه الملك مِطرانًا دون أن يُرسله أولاً إلى البابا لكى يرسمه خوفًا من نزع المُلك عنه وردّه إلى أخيه! وعندما وصل الأمر إلى مسامع «البابا قزمان الثالث» حزن ولم يقبل أن يرسُِم للأحباش مِطرانًا عوضًا عن غير الشرعى المقام من الملك، وهٰكذا فعل أربعة بطاركة من أسلافه الذين تولَّوا الكرسى من بعده.
قضَّى «البابا قزمان الثالث» على الكرسى المرقسى اثنتَى عشْرة سنة، وتنيَّح بسلام عام 932م، وقد عاصر الخليفة «المقتدر»؛ ثم خلفه «البابا مقاريوس الأول».
وفى عام 932 م، تُوفى الخليفة «المقتدر» ليعتلى العرش من بعده أخوه «أبومنصور مُحمد القاهر».
«أبو منصور مُحمد القاهر» (320- 322 هـ) (932- 943 م)
اعتلى عرش الخلافة بعد قتل أخيه «المعتضد». وكان رأى أن يكون الحكم لابن «المقتدر»، ولٰكن اجتمع رأى كبار الدولة ومسؤوليها على اختيار شخص قادر على إدارة شُؤونها بنفسه، فاجتمعت آراؤهم على اختيار «القاهر»، وهٰكذا بايعه الناس، وآلت إليه الخلافة، واستقرت له الأمور، و… والحديث فى «مِصر الحُلوة» لا ينتهى.
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى