تحدثت المقالة السابقة عن احتجاج الشعب الفلسطينيّ على السياسة البريطانية الداعمة لليهود، وإلغاء وعد وزير الخارجية البريطاني “بلفور” الذي أرسل إلى زعماء الحركة الصهيونية معلنًا موقف حكومة بلاده من الحركة الصهيونية، بتأسيس وطن قوميّ للشعب اليهوديّ في «فلسطين».
أما الموقف السياسيّ البريطاني فقد استمر في تجاهل للمطالب الفلسطينية، وهو ما أدى إلى توتر العلاقات البريطانية الفلسطينية، خاصة بعد أن أكد Churchill أن “بريطانيا” لن تُلغي “وعد بلفور” بإقامة وطن قوميّ لليهود.
وهٰكذا فقد الفلسطينيون والعرب أيّ خطوات إيجابية من جانب بريطانيا؛ فيذكر موقع القدس: “ونتيجة هٰذا التعنت (البريطانيّ)، فقد العرب كل أمل يمكن تعليقه على «بريطانيا»؛ فأرسلت اللجنة التنفيذية العربية في يوليو عام ١٩٢٢ إلى الوفد الفلسطينيّ الذي يفاوض البريطانيين في «لندن» لكي يرجِع إلى البلاد، بعد أن يعلن لحكومة التاج البريطاني رفض الأمة كلها للانتداب، وعزمها على مواصلة الكفاح لنيل الاستقلال؛ فاشتعلت الساحة بأعمال المقاومة العربية والرد البريطاني القاسي”.
ويذكر ملف وثائق القضية الفلسطينية تظلما قدمه “المؤتمر العربيّ الفلسطينيّ الثالث” إلى الحكومة البريطانية وبرلمانها، يستنكر فيه تصريح Balfour على أساس أنه يخالف الشرائع السماوية والوضعية، وجاء فيه:
“المؤتمر الفلسطيني العربي الثالث، الممثل لجميع طبقات الشعب الإسلامي والنصراني، يتظلم من «تصريح بلفور» بالوطن القوميّ (بإقامته) لليهود؛ ومهما بولغ في تلطيفه وتأميننا من شره، فهو مخالف لكل الشرائع السماوية والوضعية (لأنه):
١. اعتداء على حقوقنا الطبيعية بانحصار وطننا بنا، لتناسلنا فيه وعمارتنا له منذ بضعة عشر قرنًا، ووراثتنا له عن آبائنا الذين اشترَوه بدمائهم.
٢. خرْق لحرمة الحقوق الدولية التي زعم الحلفاء أنهم خاضوا الحرب من أجلها، والتي لا تجوز أن تسلب رعية الدولة المغلوبة حق توطنها في وطنها، أو أن يُعتبر ذٰلك الحق غنيمة حربية تعطيه الدول الغالبة لمن شاءت، بل إن حقوق الفتح، في القرون الخالية، قصارى ما كانت تأتيه (هو) إجلاء الشعب المغلوب عن بلاده.
٣. انتهاك حرمة الشرائع المدنية التي تُعِدّ وطن الشعب: كمسكن الفرد، ليس لغيره حق مشاركته فيه إلا أن يثبت بكثرة جنسيته أو بحدود جغرافيته، وليس لليهود في بلادنا إلا سبعة في المئة من النفوس واثنان في المئة من الثروة.
٤. عبَث بالعهود التي قطعها الحلفاء بينهم بتحرير الشعوب الخارجة عن «تركيا»، وهُزْء بـ«وصايا وِلسُن» وبدماء شهداء الحرب التي سُفكت وفاءً بتلك العهود، ولا سيما بالعرب الذين منحوا الحلفاء دماءهم وسيوفهم. إن دُول «عُصبة الأمم»، ولا سيما (الدُّول) ذوات المصالح في الشرق، أحكم من أن تسدد إلى الشرق هذا السهم، وأن تضرب العالمَين الإسلاميّ والمَسيحيّ في الموضع الحساس من نفسه في دينه ومقدساته، وأن تتركنا نولِّي وجوهنا شطر ذَيْنِكَ (هٰذينِ) العالمَين نستثير حَمِيَّتها (نخوة هذه الدُّول). وإننا لا نكون مسؤولين عن نتائج هذا التصريح وما سيكون له من الآثار في الشرق، التي من أولها جلب البُلشِفية … كما ظهر ذٰلك في «فلسطين» من الأعمال والنشرات اليهودية البُلشِفية.
إن «فلسطين» تضيق بسكانها، فكيف بشعب غريب أصبح يتدفق إليها كالسيل العَرِم (الشديد)؟!
ونوجه نظركم إلى أن «إنجلترا» آخذة في تنفيذ «تصريح بلفور» على الرغم منا”.
وأُرسلت البرقيات من أنحاء الوطن الفلسطينيّ كافة إلى جمعية الأمم بلندن، رافضة الانتداب البريطانيّ و”وعد بلفور”، ومنها:
” إلى مجلس جمعية الأمم بلندن:
نحن – الموقعين بذيله – بما لنا من حق التمثيل، نؤيد الوفد العربيّ الفلسطينيّ بجميع مطالبه، ونعلن رفض الانتداب والوطن القوميّ لليهود، ونطالب بالاستقلال والوَحدة السورية بحدودها الطبيعية.
ممثلو قضاء «عكا»: جبرائيل الخوري، سليم نخلة الخوري، إبراهيم بدر، مُحمد حفظي عبد الحميد، عيسى العبسي، رشيد ميري، سعيد الياسين، وفول خوام، أحمد فائق الصفدي، محمود دحاج عبده”.
وإلى جانب هذه البرقية، انهالت برقيات من “جمعية النهضة الاقتصادية” بحيفا، و”جمعية تهذيب الفتاة المسلمة” و”جمعية السيدات المسيحية”، و”حلقة الأدب” بحيفا وغيرها. كذلك وُصف “قرار بلفور” بأنه “عطاء من لا يملك لمن لا يستحق”.
و.. وما يزال حديث “القدس” يأخذنا، والحديث في “مصر الحلوة” لا ينتهي!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسي