تحدثنا فى المقالة السابقة عن تحقيق النجاح الذي يٌعد متطلبًا أساسيًّا في حياة الإنسان منذ نعومة أظافره. وأوضحنا أن أحد أعداء تقدم الإنسان نحو النجاح هو الخوف والقلق من الفشل الذي يؤدي به إلي التوقف عن المسير في تحقيق أية انجازات في حياته. إلا أن النجاح له مقومات يتطلبها.
مقومات النجاح ووضع أهداف
يقولون: «الأهداف ليست فقط ضرورية لحفزنا، ولكنها أيضًا شيء أساسيّ يُبقينا أحياء.». ولذا يُعد وضع الإنسان لأهداف يسعي لتحقيقها في حياته من أهم مقومات النجاح، بل يعتبرها البعض دليلًا علي أن الإنسان ما زال يحيا. أيضًا حين يسير الإنسان في حياته ويعمل بلا هدف لن يعرف النجاح. وذلك ببساطة لأن نجاح الإنسان يٌقاس بمدي تحقيقه للأهداف التي وضعها لنفسه؛ أيْ إن تقدير نجاح الإنسان في الحياة يرتبط بمدي اقترابه من الهدف الذي يسعي نحوه. والأهداف التي يضعها الإنسان يجب أن تتسم: بالتحديد، والوضوح، والدقة، مع الاهتمام بالزمن الملائم لتحقيقها بتميز. يقول الكاتب والأديب إميرسون: «العالم بأسره يُفسح الطريق للشخص الذي يعرف وُِجهته»؛ فمن يرغب التقدم والنجاح يجب أن يحدد وُِجهته وما يريد الوصول إليه. قرأتُ عن نبات يُسمي «تِمبل وِيد» ينمو في بعض المناطق الصحراوية. الغريب في هذا النبات أنه ينمو حيث المنطقة الرطبة؛ فيغرس فيها جُذوره وتنمو أوراقه وتمتد ساقه. وما أن تجف الرمال حوله، حتي يقوم النبات بخلع جُذوره من الأرض، ويلتف حول ساقه، ويصير مثل كرة جوفاء من الجذور والأوراق الجافة! تحملها الريح إلي مسافات كبيرة في الصحراء حتي تُلقي في منطقة رطبة أخري؛ فيرسل جُذوره مجددًا في الرمال وتنتعش أوراقه وتمتد ساقه. ويظل كذلك حتي تجف التربة وتنقُله الريح إلي مكان آخر، وهكذا دواليك إلي أن يصبح مجرد كرة تقذف بها الرياح إلي حيث شاءت. وهكذا تصير حياة هذا النبات مجرد فترات قليلة من الانتعاش وأخري كثيرة من الذبول؛ من دون تحقيق أيّ نمو أو فائدة. وبالمِثل يكون الإنسان الذي لا يضع أمامه أهدافًا يسعي لتحقيقها؛ تتقاذفه رياح الحياة دون أن يحقق أية فائدة.
وعلينا أن نُدرك أن تعلُّم وضع الأهداف يجب أن يكون جزءًا من حياة الإنسان يتلقنه منذ صغره. أعجبتني خبرة أحد الآباء مع ابنيه حين كانا في المرحلة الابتدائية؛ وقد لاحظ عليهما عدم اهتمامهما بدروسهما. تحدث الأب إليهما يومًا ما عن هذا الأمر، وكان يعرف محبتهما الشديدة للسيارات؛ فبادرهما قائلًا: أخبراني: أيّ نوع من السيارات تريدان أن تقتنيا عندما تكبُران؟ أجابا معًا: «فيراري»! ودون تردد قال الأب: إذًا، أترغبان في الذهاب الآن لمشاهدة السيارة «فيراري» التي ستشتريانها؟ فوافق الابنان وهما يشعران بسعادة غامرة. أخذ الوالد ابنيه إلي معرِض سيارات «فيراري»، وحين دخلوا المعرِض استقبلهم البائع الذي سأل الأب كيف يمكن أن يساعده؟. أجابه بأن ولديه يريدان شراء سيارتين «فيراري». فهِم البائع هدف الأب، وعامل الولدين بكل ود، وطلب إليهما اختيار السيارة التي يرغبانها. وبعد أن اختارها الولدان، قام البائع بفتح السيارة، فجلسا فيها وهما لا يصدقان أنفسهما، وأمضيا وقتًا حُفر في ذاكرة كل منهما! شكر الأب البائع، وسأل عن سعر السيارة، وطلب من الابنين أن يسجلا قيمة السيارة وأقساطها علي ورقة ويحتفظا بها؛ حال شرائها بنظام الأقساط الشهرية. وفي العودة، لم يتوقف الابنان عن الحديث عن السيارة التي شاهداها، وعن اليوم الذي بات حُلمًا في حياتهما. وحين عاد الأب وابناه إلي المنزل، جلس الأب معهما موضحًا لهما أن السيارة غالية الثمن؛ لذا… وللحديث بقية.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ