تحدثنا في المقالة السابقة عن عواصف “عدم الثقة بالنفس” التي تبدد قوى الإنسان وتُهدر طاقاته، في مشاعر سلبية لا تُجديه شيئـًا سوى الحَِيرة والألم. واليوم نتحدث عن عواصف أخرى، إن لم يقوَ الإنسان عليها دمرته، وربما دمرت معه حياة الآخرين: إنها عواصف الغضب.
وتحمل ثوْرات الغضب داخل الإنسان مشاعر تُفقده السيطرة على ذاته وتصرفاته، وتمنعه من التفكير بعقلانية في اتخاذ رُدود أفعال ملائمة لما تعرَّض له من مواقف. وكما قيل: “الغضب ريح قوية تطفئ مصباح العقل”. وأيضـًا: “حين يغضب الإنسان، فإنه يفتح فمه ويُغلق عقله.”. إلا أن هناك من يجعلون الغضب مرادفـًا لصفات أخرى مثل قوة الشخصية مع الذين يعاملونهم، وتنفيذ أفكارهم، وتأكيد آرائهم. ولٰكن الحقيقة أنه كلما ازداد غضب الإنسان، كان دليلاً بالأكثر على ضعف شخصيته، وعلى عدم قدرته على التحكم في نفسه. يقول الحكيم: “البطيء الغضب خير من الجبار، ومالك روحه خير ممن يأخذ مدينة.”؛ لذٰلك يُعد أفضل انتصارات الإنسان وأصعبها هي انتصاراته على ذاته كانتصاره على ميلانها إلى الغضب. وفي عواصف الغضب، يفقد الإنسان تحكمه في تصرفاته، فيذكر “أرسطو”: “أولٰئك الذين هم في ثورة الغضب يفقدون كل سلطان على أنفسهم”؛ فيسلكون طريقـًا يقود إلى الندم. ويرى الزعيم الهنديّ “ألمهاتما غاندي” أن من يغضب ولا يستطيع التحكم في انفعالاته هو الذي ليس على حق، فيقول: “عندما تكون على حق، تستطيع أن تتحكم في أعصابك. أمّا إن كنتَ مخطئـًا، فلن تجد غير الكلام الجارح لتفرض رأيك.”.
ونتائج الغضب في حياة الإنسان تدمره وتُفسد عَلاقاته بمن حوله فيخسَِر كثيرًا من الشخصيات الجيدة. وقد تمتد آثار الغضب إلى حياة الآخرين فتجعل الحياة صعبة قاسية، إذ يذكر الحكيم: “الرجل الغضوب يُهيِّج الخصومة”، وأن: “السريع الغضب يعمل بالحمَق”؛ لذٰلك على الإنسان أن يبحث عن أسباب عواصف الغضب في حياته، في تدرُّب على اجتيازها والارتفاع فوقها. إلا أنه يجب على الغضوب أن يكون صادقـًا مع نفسه، وأن يبحث عن السبب الحقيقيّ ويحاول أن يعالجه. فإن كانت هناك مواقف من آخرين اعتبرها إساءة موجهة إليه، فعليه أن يهدأ ويفكر بعقلانية، مقيِّمـًا الموقف ليتحقق مَلِيًّا من حُدوث الإهانة قبل اتخاذ أيّ موقف؛ فإن كثيرًا ما تصل إلينا الأمور على غير حقيقتها، أو يحاول بعضٌ تصوير مواقف البشر وتصرفاتهم على أنها إهانة موجهة إلينا. لذٰلك، درِّب نفسك على الصبر والهُدوء بأن تنشغل بفكر أو عمل آخر إلى حين دراسة الأمر، لئلا تندفع في سلسلة من التصرفات والقرارات غير السليمة.
وتوجد بعض الأسباب التي تُثير الغضب عند كثيرين مثل: الضُّغوط، والتعرض للإحباط، أو للإساءة والتجريح بأسلوب مباشر، سواء لهم أو لأفكارهم أو لأشخاص أو لأمور عزيزة لديهم. وإليك بعض الأفكار في التصدي لعواصف الغضب:
• اعترف بوجود مشكلة الغضب لديك، حتى يمكنك مقاومة عواصفها حين تثور.
• تَعَرَّف أسبابَ الغضب، وحاول التفكير بعقلانية؛ فهٰذا يساعدك على اجتيازها بطريقة مختلفة.
• عندما تشعر بالغضب، حاول أن تتمهل، وتشغل أفكارك بأمر آخر، حتى تفكر في الأمر بعقلانية، فربما تجد أن الأمور لا تستحق.
• حاول أن تفكر بموضوعية في سبب ما تعتقده إساءة من الآخر، وتفهَّم أبعاد الموقف قبل التصرف، وهٰذا يعطيك فرصة للهُدوء والتصرف بحكمة في طريقة التعبير عن ضيقك وغضبك مثل العتاب أو السؤال عن تفسير ما حدث؛ وهٰكذا تحصل على حقك، دون إهانة أو اندفاع أو خَسارة شخص لا يمكنك تعوضيه.
• تذكَّر أن: “العاصفة تستطيع أن تدمر سفينة، لٰكنها لا تقدر أن تَحُل عقدة خيط! هٰكذا الغضب: يدمر، ولٰكنه لا يقدِّم حُلولاً.”.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ