تمتلئ الحياة بالعواصف، ولا بد للإنسان أن يتصدى لعديد منها: فمن البشر من تقتلعه، ومنهم من تتأثر حياته سلبـًا أو إيجابـًا. وأنت، فلتكُن كما يقولون: “إن العواصف التي تعجز عن اقتلاعي، لا تَزيدني إلا قوة!”. وقبل أن أشير إلى بعض العواصف التي تمر بحياتنا، أود أن أؤكد أن الإنسان الحكيم هو من يستعد لتلك الأعاصير واجتيازها لئلا تقتلعه، متسلحـًا بأهم أداتين: الثقة بالله، وبالصبر. فلكل أمر يمر بنا في الحياة زمن محدد وسيمضي، ولن يترك وراءه إلا من ظل ثابتـًا، صابرًا، حاملاً في قلبه ثقته بمحبة الله وعنايته. وتتنوع العواصف التي تمر بحياة البشر، فمنها: عواصف داخلية تبدأ من أعماقه وقد تنتهي بترك آثارها في الآخرين من حوله، وأخرى خارجية تجتاحه من الخارج وتتقاذفه بأمواجها وأعاصيرها لتُلقي بظلالها على نفسه وحياته.
أولاً: العواصف الداخلية وهي العواصف التي تثور في حياة الإنسان من أفكار أو مشاعر تجتاحه، وإن لم يستطِع أن يدخل في تعامل معها بحكمة، فسيهتز ويُخفق في الحياة. وكما يقول أحدهم: “إذا لم تهزم نفسك، هزمتك نفسك!”؛ وليس المقصود هنا هو صراع الإنسان مع نفسه، بل موقفه حيال الأفكار والرغبات والمشاعر التي تؤثر فيه سلبـًا، ولا تسمح له بأن يخطو في الحياة نحو النجاح. وإحدى هٰذه العواصف المدمرة هي مشاعر الخوف: الخوف من الفشل، والخوف من الآخرين، والخوف من المستقبل … إلخ. وعلى سبيل المثال يُعد الخوف من الفشل من أكبر الحواجز التي تَعوق الإنسان عن عمله، وتضعه دائمـًا في حالة من الحَِيرة والقلق، مما يجعله مترددًا غير قادر على اتخاذ القرارات خَشية الفشل، فقد قيل: “إن أكبر عائق يمنع النجاح هو الخوف من الفشل والإخفاق”. وللتصدي لهٰذا النوع من الأعاصير، عليك بتغيير أفكارك عن معنى الفشل؛ ففي حقيقة الأمر: لا فشل في الحياة، وإنما توجد نجاحات بنسب مختلفة من الجائز مُرضية أو غير مُرضية، وأنت في كلتا الحالتين عليك أن تعمل بفكر منفتح ومتمرس وعمل دؤوب من أجل تحقيق نجاحات أكبر إلى تصل إلى ما تتمناه، كما عليك أن تقوِّي وتغذِّي دائمـًا رغبتك في النجاح بالأفكار الإيجابية، وهٰذا بدوره يَزيد من سعيك وعملك والجُهود التي تبذُِلها، إذ تصير تلك الرغبة قوة محركة كبيرة في أعماقك تحُثك نحو الأمام. ومن الإيجابيّ، أن تضع نُصب عينيك أهدافك، وذٰلك المشهد التي تريد تحقيقه في حياتك، ولسوف تجد أنك تخطو نحوه حقـًّا. وإليك تلك النصيحة، التي قالها رجل الأعمال الأمريكيّ “راي كروك”، الذي جاء نجاحه في العمل بعد أن تخطى الخمسين: “لا تتوقف، دائمـًا استمر. فلا يوجد في العالم شيء يمكنه أن يحِل محل الإصرار: فإن الموهبة وحدها لا تكفي، والذكاء وحده لا يكفي، والتعليم وحده لا يكفي؛ ولٰكنّ الإصرار والتصميم قادران على عمل كل شيء”. أمّا ذٰلك الخوف غير المبرر من الآخرين، فهو حجر عَثْرة في حياة الإنسان، يقف حائلاً دون تكوين عَلاقات اجتماعية ناضجة يجري فيها تبادل الخبرات والتعايش في جو من الوئام، كما إنه يَعوق عن العمل الجماعيّ الذي يُعد إحدى سمات المجتمعات المتقدمة. إن ما يحتاجه الإنسان في عَلاقاته بالآخرين هو وضع الحُدود المناسبة التي لا تَكسِر التفاهم أو المحبة بين البشر. وعليك أن تُدرِك أن لا أحد يستطيع أن يؤثر في حياتك، إن لم تقدم إليه أنت الفرصة لذٰلك. وهناك أيضـًا عواصف عدم الثقة بالنفس، التي تجتاح أعماق الإنسان فتُبدد طاقاته في أمور سلبية لا طائل منها سوى الألم. ونقص ثقة الإنسان بنفسه ينبُع غالبـًا من … وللحديث بقية.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ