تحدثنا في المقال السابق عن أنواع الحكمة. وعن بعض الصفات التي يتحلي بها الحكيم من تواضع وصبر وطول بال ووداعة.
واليوم نكمل حديثنا عن الحكمة بتوضيح الفرق بين الحكمة والذكاء، والحكمة والمعرفة، كما نعرض أيضا المجالات التي تظهر فيها حكمة الإنسان، وأخيرا بعض نماذج لشخصيات اتصفت بالحكمة.
يعتقد البعض أن الحكمة هي الذكاء ولكن هذا ليس صحيحا فالذكاء هو قدرة الإنسان السريعة علي إدراك المعلومات واستيعابها. أما الحكمة فهي استخدام هذا الإدراك والفهم لاتخاذ قرارات يقوم الإنسان بتنفيذها بأسلوب عملي في حياته في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة التي تؤول إلي خيره وخير البشرية.
ويمكن للإنسان أن يستخدم ذكاءه وفهمه الأمور في الخير أو في الشر .فكثير من الأذكياء استخدموا ذكاءهم لخدمة ومساعدة الإنسانية وتخفيف الألم عن البشر، ومنهم من استخدم ذكاءه في الشر وإتعاب من حوله.
الحكمة والمعرفة: ويعتقد البعض أن الحكمة هي المعرفة التي يمكن الإنسان أن يتقنها في حياته، وأنه كلما ازدادات معرفته ازدادات حكمته، ولكن المعرفة خاصة بالعقل والمعلومات التي يستطيع الإنسان الحصول عليها واستيعابها، أما الحكمة فهي تدخل بهذا الإنسان إلي عمق أبعد فهي مرتبطة بالسلوك والحياة العملية وليست الحكمة أن يكون لدي الإنسان معلومات كثيرة في مجالات كثيرة فقط،بل أن تكون له القدرة علي تحويل هذه المعرفة إلي سلوك سليم في الوقت المناسب لتحقيق أفضل النتائج.
وأن يعرف الإنسان فهذا جيد، ولكن إن لم تتحول هذه المعرفة إلي سلوك يمكن اتباعه فقد فقدت المعرفة إلي سلوك يمكن اتباعه فقد فقدت المعرفة قيمتها وقوتها وتأثيرها يقول حكيم:»إن الحكمة لا تعتبر حكمة عندما تكون من الكتب فقط«. ويقول الكتاب إن »العلم ينفخ« ولكن »مع المتواضعين حكمة « ليس كل من يعرف يعتبر حكيما ولكن كل حكيم لديه معرفة كبيرة. وقيل إن العلم ينظم معرفة الإنسان، أما الحكمة فهي تنظيم حياته.
قرأت قصة أعجبتني عن أحد الأثرياء الذي أراد أن يقدم هدية ثمينة جدا إلي والدته في عيد الأم، وبعد تفكير عميق اشتري لها طائر الزرقا الجميل الشكل والقادر علي تعلم خمس لغات. دفع في الطائر آلاف الدولارات وأرسله إلي والدته مع بطاقة رقيقة يهنئها فيها. وفي يوم عيد الأم، اتصل بها هاتفيا ليهنئها ولم تحدثه عن الهدية فسألها:»هل وصلت الهدية يا أماه؟ فأجابت: »أشكرك يا مجدي علي البطاقة اللطيفة وكلماتك الرقيقة.قال: » هل استملت الطائر؟ فكان جوابها »نعم يا ابني! أشكرك فإن لحمه طعمه لذيذ! « صدم الشاب فقد ذبحت والدته الطائر الذي كلفه عدة آلاف من الدولارات، وكان يترقب أن تعلمه والدته بعض اللغات فتجد تسليتها في الحديث معه. هذا هو حال من يملك المعرفة ولا حكمة لديه، فإنه لا يجد الاستفادة منها.
في الكلام… تظهر حكمة الانسان في اختياره كلماته وتعبيراته بدقة شديدة، فهو يختار الكلمات المناسبة للموضوع الذي يتحدث فيه والمؤثرة فيمن يستمع إليه، فيكون للكلمات أكبر تأثير وقدرة علي تغيير البشر وفي الوقت فالشخص الحكيم يعرف أن يختار الوقت المناسب للحديث و ـ كما ذكرنا أيضاً – الكلمات المناسبة فيكون أثر عظيم لكل ما يعرض أو يطلب وكما إنه يستطيع اختيار الوقت المناسب، فهو أيضا يقدر قيمة الوقت وفائدته، فتجده دائما لا يضيع وقته هباء أو في أمور تهدم، بل هو إنسان يهتم دائما ببناء نفسه ومن حوله. يقولون إن تسعة أعشار الحكمة هي أن تكون حكيما في الوقت.
أما في تدبير الأمور وتظهر حكمة الإنسان أيضاً في قدرته علي تدبير الأمور وقيادة من حوله إلي بر الأمان، فهو كالربان الناجح الذي يقود السفينة بكل من عليها في وقت انعدام الريح وسكونها، ،أيضا يقود السفينة بمهارة شديدة في وقت الرياح العاصفة والأمواج الهائجة لتصل بسلام إلي الميناء
ومن الشخصيات الحكيمة التي استطاعت أن تقود في وقت الهدوء والسلام »سليمان الحكيم« الذي تولي حكم مملكة أبيه داود النبي طلب سليمان الحكمة من الله الذي سر بطلبه هذا ووهبه معها كل شئ، حتي إنه لم يكن مثله إنسان علي الأرض: »فأعطني الآن حكمة ومعرفة لأخرج أمام هذا الشعب وأدخل لأنه من يقدر أن يحكم علي شعبك هذا العظيم؟« فقال الله لسليمان:« من أجل أن هذا كان في قلبك، ولم تسأل غني ولا أموالا ولا كرامة ولا أنفس مبغضيك، ولا سألت أياما كثيرة، بل إنما سألت لنفسك حكمة ومعرفة تحكم بهما علي شعبي الذي ملكتك عليه، قد أعطيتك حكمة ومعرفة وأعطيتك غني وأموالا وكرامة لم يكن مثلها للملوك الذين قبلك ولا يكون مثلها لمن بعدك«
وقد حكم سليمان بالحكمة، وخاف جميع الشعب إذ رأوا حكمته التي وهبه الله إياها
والشخصية الأخري التي حكمت وقت العواصف والأمواج هو يوسف الصديق الذي استطاع أن ينقذ العالم كله من مجاعة شديدة. وقد رأي فرعون مصر حكمته حتي إنه قال ليوسف: » بعد ما اعلمك الله كل هذا، ليس بصير وحكيم مثلك«. وقاد يوسف السفينة بنجاح إلي أن عبرت الرياح الشديدة.
أكمل كلماتي بقصة تقول إنه حدث خلاف بين أصابع اليد الخمسة، كل واحد يريد أن يكون الأعظم. تباهي الإبهام بضخامته وعظمته، وتباهي السبابة برئاسته، وتباهي الوسطي بطوله، أما البنصر فكان يري نفسه الأفضل. وإذ الخنصر يتحدث بتواضع شديد عن خدمته ومحبته للأصابع جميعا التي تستند عليه
هكذا الحكيم هو الأفضل بمحبته وخدمته لكل من يلقاه. »إذا كان الغني ملكاً نفيساً في الحياة، فأي شيء أغني من الحكمة صانعة الجميع؟!