في الأعياد تعُمّ الأفراح، وتظهر عراقة الشعب المِصريّ في المحبة والتشارك والتواصل بين أفراد العائلة المِصرية الواحدة، التي هي عماد بنائها وتقدمها وخيرها. وتحتفل الأمة الإسلامية بعيد الأضحى.
ويُعد هذا العيد ثاني الأعياد التي يحتفل بها إخوتنا المسلمون بعد عيد “الفطر”؛ فيُحتفل به بداية من العاشر من شهر “ذي الحجة” وحتى الثالث عشَر منه. وقد أُطلق على هٰذا العيد عدة تسميات؛ منها: “عيد الأَضحى” لِما يُقدَّم فيه من “أَضاحِيّ”، و”يوم النَحْر”، كما يُسمى في مِصر والمغرب بـ”العيد الكبير”، أمّا في إيران فيُطلَق عليه “عيد القربان”.
وتتشابه احتفالات عيد الأََضحى في بلاد العالم؛ حيث يبدأ الاحتفال بصلاة العيد فجر اليوم الأول من العيد الذي يستمر أربعة أيام، وتقام الصلاة في الساحات والمساجد ويحضرها كثير من المصلين. وبعد أداء الصلاة، يتبادل المصلون تحية الانتهاء من الصلاة بقولهم: “تقبَّل الله. تقبَّل الله منا ومنكم.”، ثم يهنئون بعضهم بعضًا بالعيد: “كل عام وأنتم بخير”. وبعد ذٰلك، يُسرع المسلمون بالعودة إلى ديارهم للقيام بذبح أُضحياتهم ثم توزيع لحوم الأَضاحِيّ أولًا على الفقراء والمساكين، ثم إهداء بعضها إلى الأقارب والأصدقاء، والاحتفاظ بالباقي للأكل منها طوال العيد.
وأينما تكُن في مِصر تكتسبِ الأعياد فيها طابعًا ومذاقًا خاصًّا مميزًّا؛ ففيها تُرسم صورة قِوامها الشعب جميعه؛ فأعضاء الأسرة الواحدة يلتقون لتتواصل الأجيال ويزداد ارتباط أعضاء البيت الواحد بعضهم ببعض. أمّا أسرة الوطن الكبيرة، فلا تتنازل عن دورها أيضًا في الاحتفال بالعيد؛ فتسمع بابك يدقه صديق أو جار لتجده يهنئك بالعيد متمنيًا لك كل الخير والسعادة. وهٰكذا تجد نفسك وقد ترسمت أمامك لوحة عظيمة ممتلئة بأُناس ارتبطوا جميعًا فيما بينهم بالمحبة والود. فالجميع يكسو وَجْنات وجهه الفرحة والابتسامة؛ وبخاصة الأطفال الذين يُضفون بهجة مميزة للعيد في مِصر فيتجمعون في ملابسهم الجديدة الزاهية الألوان من الصباح الباكر، يفرحون ويلعبون بعد أن يحصلوا على “العيدية” من والدِيهم وأقاربهم. وفي مِصر تجد التقارب بين الناس جميعًا، فهم إمّا محتفلون أو مشاركون؛ فتشعر كأنك في أسرة كبيرة لوطن عريق يجتمع أفرادها إلى بعضهم البعض ليتقاسمون أفراحه كما يتقاسمون تاريخه، فتقف مشدوهًا أمام أصالة شعب هٰذا الوطن.
وقد اعتاد المِصريون جميعًا أن تكون أعيادهم فرصة لتذكُّر الله والخير الذي تقدمه يداه إلى خليقته دائمًا، فلا يجد الإنسان سبيلًا إلى شكر الله إلا بأن يمُدّ يده بأعمال الرحمة والبِر والخير إلى كل إنسان. ففي العيد نتذكر المساكين والفقراء والأيتام والمعوزين من كل نوع احتياج، فتُسرع الأيدي لتمتد بالمعونة والمساعدة إليهم، وبالعمل على رسم السعادة على وجوههم مرة كل عام. إنه يوم يتذكر فيه كل إنسان أخاه الإنسان ليتشاركا فرحة العيد.
وأيضًا يكون العيد فرصة للغفران والتسامح إزاء كل من أساء إلينا، كما أنه وقت لطرد الكراهية والبُغضة من القلوب؛ إنه فرصة لمحو كل إساءة قد تكون صدرت في حق أخ أو صديق أو جار أو غيرهم، فكل عيد هو بداية جديدة للمصالحة والسلام مع كل إنسان.
وكما قيل: “فَرَحًا مَعَ الْفَرِحِينَ ..”، وكما علَّمنا تاريخنا المجيد أن “الوطن أيقونة واحدة تضم الجميع”، هٰكذا نتقدم بالتهنئة بعيد التضحية إلى كل إخوتنا المسلمين في كل مكان؛ مصلين إلى الله أن يحفظ أمن مِصر وسلام أبنائها، وأن يملأ قلب بلادنا الغالية بالسعادة والأفراح. كذٰلك أقدِّم تحية إلى كل مِصريّ يبني، ويسند، ويَعضُد، ويحب هٰذا البلد الأصيل.
الأسقف العام ورئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأرثوذكسيّ