كثير ما تبدو رحلة الحياة عسِرة وصعبة لأن الإنسان لا يعرِف كثيرًا من أمورها، والحق أنه لا يسعى للمعرفة التى قد تخفف عنه عناء الطريق. فاسعَ عزيزى نحو المعرفة البناءة التى تَحفِزك إلى التقدم، ولا أقصد بالطبع المعرفة التى تضر بالإنسان وقيمه أو بالآخرين، وإنما أعنى تلك المعرفة التى تفتح لك آفاقًا جديدة تساعدك ومن حولك.
قرأت هٰذه القصة الطريفة عن إحدى العائلات الأوروبية الفقيرة التى قررت التوجه إلى أمريكا بحثًا عن فرص للعمل والثراء فى نهاية القرن الماضى. ونظرًا إلى شدة فقر العائلة، فقد أحضرت معها أكْلات من الجُبن ظلت تأكل منها طوال الأيام الأولى للرحلة توفيرًا للمال. لٰكن الابن الأصغر رفض الاستمرار فى تناول الجُبن وطلب تناول طعام آخر. فطلب أبوه منه أن يصبِر قليلًا، إذ لم يتبقَ إلا عشرة أيام على الوصول إلى أمريكا حيث يمكنه تناول ما يرغب من الطعام. إلا أن الطفل أصر على الحصول على بعض المال لشراء بعض من المثلجات التى كثيرا ما يراها بين أيدى الأطفال الآخرين. ومع إصرار الطفل، الذى أبى أن يستمع لكلمات والديه عن عدم مقدرتهم على تكبد مزيد من المصاريف بعد شراء التذاكر الغالية، قدم الأب قليلًا من المال إلى طفله الذى أسرع لشراء الآيس كريم. غاب الطفل عن والديه ساعتين، وعاد يحمل ابتسامة كبيرة على وجهه، فسأله الأب: آكلتَ الآيس كريم الذى تحبه؟ أجاب الصبىّ: نعم، وأكلت أنواعًا متعددة من الطعام الشهىّ! وظل الطفل يذكر أنواع الطعام التى تناولها، وهنا تعجب الأب وقال: أكُلّ هٰذه ببضعة القروش التى أعطيتك إياها؟ ابتسم الطفل قائلًا: لا، كل هٰذه دون مقابل!! فالطعام يقدَّم على حساب التذكرة التى دُفع ثمنها. وهنا أتوقف وأتساءل: ماذا كان حال هٰذه الأسرة لو كانت تعرف أن طعامها قد دُفع ، وأن أفرادها لهم الحق فى تناول ما يشاؤون ؟ وماذا لو لم يُصر الصبى على البحث؟
فعلى بساطة القصة إلا أنها تعبر عن موقف كثيرين فى الحياة قد قرروا أن يعيشوها بما يدركونه هم عنها، دون اكتشاف أعماقها أو جوانبها المتعددة التى يمكنهم من خلالها أن يعيشوا حياتهم بأسلوب أفضل، أو دون الاصطدام بمصاعب أكبر، وأيضًا تمكنهم من أن يساعدوا الآخرين.
إن رحلة الحياة تحتاج إلى كثير من المعرفة والبحث والاستكشاف التى تمهد السبل فى أثناء سيرها. لذا اقرأ كثيرًا، عزيزى المسافر فى الطريق، وفكِّر كثيرًا بعمق، واسأل من كانت لهم الخبرة لتزداد حكمةً فى الطريق وسعادة.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى .