تحدثنا في المقالة السابقة عن تأثير الكلمة الطيبة المفرّح للقلوب، وما تقدمه من سعادة تضيء وسط ظلام مشكلات الحياة. قيل:«الفرق بين الإنسان الناجح وغيره ليس نقص القوة البدنية ولا نقص المعلومات والخبرة، بل نقص الرغبة في النجاح».. والكلمة الطيبة لها قدرة فائقة علي تغيير البشر وتشجيعهم فتؤول إلي تغير حقيقي في حياتهم،
فالإنسان يحمل داخله أرضاً متي قمت بزراعة الكلمات الطيبة فيها نمَت أشجارها حاملة أطيب الثمار للعالم كله.
ويعد التشجيع من أهم أساليب الكلمات الطيبة الذي ينبغي الاهتمام به. يقولون: «الكلمات الطيبة تخلق الثقة بالنفس»، ومن خلال هذه الثقة يستطيع الإنسان أن يفكر، ويبدع، ويكون إنساناً خلاقاً«، وكم من قصص ومواقف مرت بحياة كثيرين حققت الكلمات الطيبة فيها المعجزات في حياتهم ! إننا كثيراً ما نهمل الكلمات الطيبة المشجعة في حياتنا علي ما لها من تأثير في تحقيق كثير من الإنجازات، فكلمات أم (إديسون) المشجعة له جعلت منه مخترعاً عظيماً، ووراء كثير من العظماء كلمات طيبة كانت حافزاً لهم في حياتهم، ومنحتهم الأمل والقدرة علي الإبداع، مثل الكاتب »تشارلز ديكنز« الذي كان لكلمات صديق والده أعظم الأثر في أن يكون أحد عظماء الأدب الروائي الانجليزي. تقول (موريل آندرسون) الكاتبة الروائية التي كانت كلمات والدها إليها شرارة تشجيع لها للانطلاق في حياتها ككاتبة: أعترف بأنني كنت محظوظة حقاً لوجود أبي الذي دائماً ما كان يقول لي: تيقني أنك قادرة علي القيام بالعمل.. وبينما هي في المرحلة الثانوية انتقلت مع أسرتها إلي بلدة صغيرة كل ما فيها ينطق بجمال خلاب، فأحبت بلدتها ورغبت في كتابة مقالة عنها كانت تتمني نشرها في جريدة البلدة التي تصدر أسبوعياً. إلا أن هذا كان مجرد حلم، فالجريدة شهيرة، وهناك صعوبة إلي حد الاستحالة في النشر فيها، ولم تجد إلا أباها تلجأ إليه، فهي تستمد قوتها من كلماته الطيبة لها، وقالت له بنبرة يملؤها الحزن واليأس: لا أظن أنني سأنجح! فأجاب الأب بابتسامة مشجعة: كوني واثقة أنك تستطيعين. وتقول (آندرسون) : ومن ذلك اليوم أصبحت كاتبة روائية مشهورة. وعلي النقيض، فالكلمات الجارحة تدفع إلي اليأس والفشل.
تقول إحدي القصص الرمزية إنه بينما كانت مجموعة من الضفادع تقفز مسافرة بين الغابات، سقط ضفدعان في بئر سحيقة، فتجمعت الضفادع حول البئر، وعندما شاهدوا عمقها صرخوا للضفدعين بأنهما مائتان لا محالة. إلا أن الضفدعين تجاهلا التعليقات، وحاولا الخروج من البئر بكل وسيلة. وفي تلك الأثناء، كانت الضفادع الأخري تصرخ لهما بعدم المحاولة لأنهما لن يستطيعا. تأثر أحد الضفدعين بكلمات الضفادع وأصابه اليأس حتي سقط أسفل البئر ميتاً. أما الضفدع الآخر، فقد استمر في المحاولة علي كل هذا الصياح حوله بالاستسلام للموت. والأمر الغريب، أن الصراخ جعله يقفز بقوة وحماس كبيرين حتي تعلق بإحدي الصخور ووصل إلي حافة البئر ثم إلي الخارج! تعجبت الضفادع وسألته: يبدو أنك لم تسمع صياحنا لك بأن تتوقف عن المحاولة؟ أجاب الضفدع موضحاً أنه مصاب بصمم جزئي، لذا فهو كان يعتقد أنهم كانوا يشجعونه طوال الوقت علي إنجاز المهمة ! تذكر أيها القارئ العزيز: أن الكلمات الطيبة يمكن أن تكون قصيرة وسهلة، إلا أن صداها لا ينتهي داخل الإنسان.
أن العالم يمتلئ بالأحرف والكلمات، فقم بتجميع أحرفك لتصنع منها كلمات تبني وتشجع، وحينئذ تكون قد زرعت أشجار الأمل في قلوب البشر لتثمر لكل العالم. إن كلمات بسيطة مثل: شكراً، عمل رائع، أحسنت، تستطيع أن تقوم بهذا.. قد يكون لها أعظم الأثر فيمن حولك. لذلك: قدّم الكلمات الطيبة المشجعة لكل من تلقاه، فقد تكون كلماتك هي الخيط الرفيع الذي ينتقل به إلي حياة أفضل، وللحديث بقية ……………..
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ