تستمر انتصارات أكتوبر المجيدة، مقدِّمة نماذج مشرقة عن شعب “مِصر” الواحد وأبطاله. لقد تحدثنا في المقالة السابقة عن محبة الوطن التي لا تفرق بين أبنائه؛ فكلٌّ يحمل في أعماقه “مِصر”، ويبذُِل في سبيلها أغلى ما يملِك حتى الحياة. عرضنا لبطولة الفريق الأول “فؤاد مُحمد أبو ذكري” قائد القوات البحْرية المِصرية أحد قادتها البارعين. واليوم نعرِض لبطل آخر هو الفريق “فؤاد عزيز غالي”. الفريق “فؤاد عزيز غالي” رئيس عمليات “الفرقة الثانية مشاة” في عام ١٩٥٦م، وقائد الفرقة “١٨ مشاة” التي كُلِّفَت اقتحامَ “قناة السويس”، وتحرير مدينة “القنطرة شرق” في “حرب أكتوبر” ١٩٧٣م. وُلد ابن صَعيد “مِصر” “فؤاد عزيز غالي” في العاشر من ديسمبر عام ١٩٢٧م بمحافظة “المنيا”، ثم التحق بالكلية الحربية، وتخرج فيها عام ١٩٤٦م، ليشارك في معارك ١٩٤٨م حول مدينة “رفح”، والحروب التالية التي خاضتها “مِصر”. ظهرت براعة الفريق “فؤاد عزيز غالي” وفطنته في “حرب أكتوبر” ١٩٧٣م، عندما كان قائدًا للفرقة “١٨ مشاة” في المُهمة التي وُضعت على عاتقه من: اقتحام “قناة السويس”، وتدمير قوات العدو وأسلحته في النقاط الحصينة، وتحرير مدينة “القنطرة شرق”، وصد هجمات العدو وضرباته المضادة، والاستعداد لتطوير الهجوم في العمق شرقـًا اتجاه منطقتي “بالوظة” و”رمانة”. ويخُط التاريخ كلمات الفريق الأول “أحمد إسماعيل عليّ” وزير الحربية، آنذاك، إلى العميد “فؤاد عزيز غالي”: “مكتوب على جبهتك «القنطرة»، ولن أتركك حتى تحررها، وسوف تعود لقيادة الفرقة «١٨ مشاة».”؛ فقد كان منصبه حينذاك “نائب قائد الجيش الثاني الميدانيّ”. وهٰكذا، يسجل التاريخ بطولات الفرقة “١٨ مشاة” في تدمير أقوى حُصون “خط بارليف”, وتقدُّم العميد “فؤاد عزيز غالي” بقواته مقدِّمـًا ملحمة من البطولة والتضحية والوطنية لتحرير مدينة “القنطرة”. وتتمكن قواتنا المسلحة من السيطرة على جميع مواقع العدو الإسرائيليّ, لتقوم الفرقة “١٨ مشاة” بعدئذ بتأمين منطقة شمال القناة من “القنطرة” إلى “بورسعيد”. وفي حديث للفريق “غالي”، واصفـًا تحرير “القنطرة شرق”: “منذ الضربة الجوية الأولى، والتمهيد النيرانيّ للمِدفعية، تم إنزال قوارب قوات المرحلة الأولى لاقتحام النقاط الحصينة. ثم بدأ اقتحام دفاعات القوات الإسرائيلية في القطاع من شمال «جزيرة البلاح» حتي «الكاب»، واقتحام نقطة حصينة لمعاونة أعمال قتال قطاع «بورسعيد». وبعد ١٠ دقائق من العُبور، تم الاستيلاء علي أول نقطة حصينة على مستوى الجبهة وهي «القنطرة واحد». وبعد ٥٠ دقيقة من العُبور، تم الاستيلاء على ٦ نقاط، وبقِيَت النقطة الحصينة «القنطرة ٣» ـ بلدية القنطرة ـ محاصَرة حتى اليوم السابع من أكتوبر ١٩٧٣م، ليتم الاستيلاء عليها قبل آخر ضوء اليوم السابع من أكتوبر. وبنهاية اليوم الأول للقتال، تم الاستيلاء على جميع النقاط الحصينة، وإحكام الحصار حول مدينة «القنطرة»، والاستيلاء علي رأس جسر بعمق حتى ٦ كيلو مترات، وصد اختراق القوات الإسرائيلية. وفي السابع من أكتوبر، وتم تدمير ٣٧ دبابة إسرائيلية، وتوسيع رأس جسر الفرقة بعمق ٩ كيلومترات، وتدمير القوات الإسرائيلية في النقطة الحصينة «القنطرة ٣»، وتحرير مدينة «القنطرة شرق».”. لم تكُن المُهمة سهلة إذ كانت حُصون العدُو، التي تبلغ سبْعة في قطاع “القنطرة شرق”، من أقوى حُصون “خط بارليف”؛ هٰذا إلى جانب جُهد قتال المدن الذي يُعد أبلغ صُعوبة من حرب الصحراء. وفي أثناء الثُّغرة، وحصار الجيش الثالث الميدانيّ, رفض “فؤاد عزيز غالي” تراجع القوات إلى غرب القناة، مقدمـًا أروع نماذج الصمود والتحدي. عُين “فؤاد عزيز غالي” قائدًا للجيش الثاني الميدانيّ في الثاني عشَر من ديسمبر عام ١٩٧٣م، وظل يعمل لأجل الوطن حتى رحل عن عالمنا في عام ٢٠٠٠م، بعد حياة امتلأت بحب “مِصر”، ليحفِر اسمه بأحرف من نور في ذاكرة التاريخ. كل عام وأنتم بخير في ذكرى نصر أكتوبر، وحفِظ الله “مِصر” وصانها من كل شر.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ