أهنئكم بعيد الميلاد المجيد الذى يحتفل به مسيحيُّو الشرق بعد أيام قليلة. لقد كانت رسالة الميلاد التى أنشدتها الملائكة هى: ««المجد لله فى الأعالى، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة». وهكذا نبتهل إلى الله- جل جلاله- أن يمنح كل إنسان الفرح، وأن يعُم السلام بلادنا «مِصر»، والشرق الأوسط، وأفريقيا، والعالم بأسره.
تحدثنا فى المقالة السابقة عن أصل كلمة «عَرَب» ومعناها. واستعرضنا الكلمة فى بعض الكتابات القديمة مثل: البابلية، والآشورية، والفارسية. وتطرقنا إلى معنى الكلمة فى الآداب: العبرانى، واليونانى، والرومانى، والحضارات القديمة فى شبه الجزيرة العربية. ونستكمل الحديث عن شبه الجزيرة العربية.
جغرافية شبه الجزيرة العربية
من حيث المساحة، تُعد أكبر شبه جزيرة فى العالم، ومعظم أراضيها صحراوية. وهى من أقدم الأماكن التى سكنها الإنسان. يَحُدها من الشرق «الخليج العربى» الذى عُرف بأسماء أخرى منها: «الخليج الفارسى»، و«بحر الشروق»، و«البحر المُر». أمّا فى الجنوب فتُطلّ على «المحيط الهندى» حيث يصل «البحر الإريترى» بين أفريقيا وسواحل الجزيرة. ومن الغرب يَحُدها «البحر الأحمر». أمّا الشمال فقد اختلف بصدده الجغرافيُّون، فمنهم من اعتبر الحد الشمالى هو مجرى الفرات الأسفل، والشواطئ الفلسطينية ناحية الشمال الغربى. وهناك من اعتبره خطا وهميا يتجه شرقـًا من رأس «خليج العقبة» حتى مصب «نهر الفرات».
أقسام شبه الجزيرة العربية
هناك تقسيمان أساسيان لشبه الجزيرة العربية:
أولا: اليونانيُّون والرومان:
وقد قسَّموا شبه الجزيرة العربية إلى ثلاثة أقسام:
الأول العربية السعيدة، والثانى العربية الصحراوية، والثالث العربية الصخرية.
«العربية السعيدة»
يتضمن «اليمن»، التى تعنى فى تسميتها «اليُمن»، أى «الخير والخصب والسعادة الموفورة» فيها. وقد عُرف العرب بـ«العربية السعيدة» فقط، فقد ذكر د. «جواد على»: «إن جزيرة العرب وحدها هى (العربية السعيدة) عند اليونان والرومان». وقد امتاز هذا القسم بحضارته ودُوله وتاريخه القديم، وأشرنا إلى هذا فى المقالة السابقة. وقد اختلف المؤرخون فى عَلاقة هذا الجزء بالعرب، فهناك من اعتبره جزءًا مستقلًا عن الأقسام الأخرى، وهناك من عدّه من المناطق التى يُطلَق عليها «جزيرة العرب»، ومنهم من فصله عن العرب.
«العربية الصحراوية»
ويشتمل على: «الربع الخالى»، و«الأحقاف»، و«النفود»، و«الدهناء»، و«نَجد»، و«الحِجاز»، و«تِهامة». وهذا الجزء يُعد أكبرهم، وطبيعته صحراوية. وبسبب الطبيعة الصحراوية الشديدة فإن هذا الجزء لم يكُن مأهولا بالسكان. وقد ذكر بعض المؤرخين أن سكان هذه المنطقة من القبائل التى هاجرت من «العربية السعيدة» وبلاد «الشام» وغيرها، وهم من البدو الذين عاشوا فى الصحراء.
«العربية الصخرية»
وهو الجزء الذى يقع بين «فلسطين» و«البحر الأحمر» بحسب ما ذكر المؤرخ الفرنسى «جوستاڤ لوبون Gustave Le Bon». وتلك المنطقة هى التى أُطلق عليها «مملكة الأنباط» وعاصمتها «البترا» أى «الحجر/ الصخرة». وقد كانت تلك المنطقة غير مأهولة بالسكان ثم سكنتها قبائل هاجرت إليها من «اليمن». ويرى بعض المؤرخين أن «الأنباط» تختلف عن العرب لاختلاف حضارتها وعباداتها عنهم.
ثانيـًا: تقسيمات مؤرخين آخرين:
وتشتمل على خمسة أقسام:
الأول: «نجد»، وحدودها بلاد «الشام» من الشمال، و«اليمن» من الجنوب، و«الحِجاز» من الغرب، و«العروض» من الشرق.
الثانى: «الحجاز»، وهو يمتد من العقبة شمالا حتى تِهامة جنوبـًا، ويتضمن مدن: «مكة»، و«يثرب»، و«الطائف».
الثالث: «تِهامة»، وتقع بين «اليمن» و«الحجاز» و«البحر الأحمر».
الرابع: «اليمن»، وهى تقع بين «الحجاز» و«نجد» شمالا، و«العروض» شرقا، و«البحر الأحمر» غربا، وأرضها خصبة غنية.
الخامس: «العروض»، وتتضمن: «اليمامة»، و«البحرين»، و«عمان»، و«شبه جزيرة قطر»، و«الأحساء» حتى حدود «فارس»، وتُحازى البحر الجنوبى شرقى الجزيرة.
إلا أن هذا التقسيم لا يتضمن البادية الواسعة وجزءًا كبيرًا من «العربية الحجرية»، وأصبحت جزيرة العرب هى وحدها «العربية السعيدة».
القراءة والكتابة:
انتشرت اللغة العربية من القدم. ونجد فى المصادر التاريخية أسماء لمعت فى مجالات: الأدب، والشعر، والقِصص، والخطابة، ومنهم: جماعة من «الحنفاء»، و«الصابئة» و«النصارى»، و«اليهود».
وقد ذُكر أن «الملتمس» أعطى بعض غلمان الحِيرة كتابه فقرأه، يقول: «فإذا أنا بغلام من أهل الحِيرة يسقى غنمه من نهر الحيرة». فقلتُ: «يا غلام، أتقرأ؟». قال: «نعم». قلتُ: «اقرأ».. كذلك ذكر «زيد العبادى أبوالشاعر» أن المعلمين فى «الحيرة» كانوا يذهبون إلى بيوت الأطفال يعلمونهم. ويذكر التاريخ شخصية «لَقِيط بن يَعمُر الإيادى»، الذى كان يعمل كاتبا ومترجما من الفارسية إلى العربية وبالعكس فى قصر «كسرى»، أنه أرسل إلى أهله يحذرهم من «كسرى»، وبدأ كتابته ببيت شعر قال فيه:
سَـلامٌ فِى الصَّحِيفَةِ مِنْ لَقِيطٍ
إِلَى مَنْ بِالجَزِيرَةِ مِنْ إيـادِ
وكان أهل «الأنبار» يكتبون بالعربية. كذلك علَّم أهل قرية «النقيرة» من قرى «عين التمر» فى «العراق» أولادهم القراءة والكتابة فى الكنائس. وأيضـًا علَّم أهل اليمن أولادهم. ومن الشعراء الجاهليِّين من كان يقرأ ويكتُب مثل: «سويد بن الصامت الأوسى»، و«الزبرقان بن بدر»، و«كعب بن زهير بن أبى سلمى»، و«كعب بن مالك الأنصارى».
الحالة الدينية فى شبه الجزيرة العربية:
ذكر المؤرخون أن شبه الجزيرة العربية كانت متعددة الديانات، فكان بها: عبادة الأصنام، والحنيفيّة، واليهوديّة، والمَسيحيّة.
الوثنية:
انتشرت الوثنية فى شبه الجزيرة العربية، وانتشرت معها الأصنام الكبرى مثل: صنم «الفلس» فى «عمان»، و«أرتال» فى «اليمامة»، و«رحمن» فى صنعاء، و«اللات» فى الطائف، و«العُزَّى» و«مناة» فى «يثرب»، وفى مكة وغيرها. وكان أول هذه الأوثان وأعظمها وأقدسها هو «هُبَل» الذى أحضره «عمرو بن لُحَىّ» رئيس «خُزاعة»، فعبده أهل «مكة» ثم أهل «الحِجاز»، ثم انتشرت الأصنام فى كل مكان.
«الطُّوطِمية»:
«الطوطمية» كلمة هندية تعنى «كائنات تحترمها بعض القبائل المتوحشة»، وقد يكون الطوطم حيوانا أو نباتا، ويُعتقد أنه يقوم بحماية من يعبده. وهو يحظى بتقديس مطلق: لا يُمس، ولا ينطق باسمه، فيطلقون على النعامة «المحلى»، والأسد «أبا حارث»، والثعلب «ابن آوى»، والضبع «أم عامر»، وهكذا. وأيضا لا يُقتل، ولا يؤكل، ولا يَمَسّه مكروه، ويُدفن وَفق طقوس!
«المَجُوسية»:
أمّا المجوسية فهى عبادة فارسية قديمة يقوم معتنقوها بعبادة النار، فكان تأثيرها فى العرب المجاورين للفرس، وكانت فى «عراق» العرب وفى «البحرين» وما جاورها من منطقة سواحل الخليج العربى، كما أثرت فى «اليمن» فى أزمنة الاحتلال الفارسى لتلك المدن.
كل عام ومِصر والمِصريُّون بخير. و… وعن مصر الحلوة الحديث لا ينتهى…!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى