تحدثنا فى المقالة السابقة عن أهمية وجود القيم والمبادئ فى حياة البشر، فبها يستطيعون التحكم فى أنفسهم، والتدرب على امتلاك أفضل الصفات التى تجعل منا أناسًا نعرِف الإنسانية الحقيقية ونُدركها ونعيشها. وفى أثناء حياة كل منا قد نتساءل: هل يحيا الجميع بمبادئ؟ ولماذا أكون أنا صاحب القيم والمبادئ أعيش بها فى حين يحيا كثيرون ممن حولى دون قيود؟ وهٰكذا كثير من التساؤلات والمقارنات تحدث فى فكر الإنسان حتى يتنازل عن قيمه ومبادئه؟ عزيزى الإنسان، إننا نسير طريق الحياة مرة واحدة فقط، وإذا ثبَّتنا أنظارنا فى الطريق نحو من يسير حولنا، نكتشف أن الطريق انتهى دون أن نعيش جيدًا الحياة التى وُهبت لنا، لذا قارئى لتبدأ دائمًا بنفسك، وإليك هٰذه القصة التى جرت أحداثها فى وِلاية تِكساس. بينما يشتد الصراع بين المتنافسين فى السياسة، بدأت السيدة “مافيرجسون” فى تقديم أفكارها وخُططها المستقبلية، وذات يوم، عادت إلى منزلها بعد جولة حماسية مثمرة كانت تخطب من خلالها فى كل أنحاء تكساس، وباعتزاز وسعادة شديدين قالت لزوجها “مافيرجسون”: “يبدو إنى سأمسح تكساس! إلا أن الزوج نظر فى أنحاء الحجرة التى يعيشون بها وقال لها: ما رأيك لو بدأتِ بهٰذه الحجرة ؟!”. لقد رغِب الزوج أن يقدم إليها مفهومًا عميقًا؛ وهو أن عظمة الإنسان دائمًا تأتى من داخله، وأنه يجب أن يبدأ دائمًا بنفسه، لذٰلك لنبدأ بأنفسنا فى إشعال شموع المبادئ والقيم فى الحياة، وحين نبدأ ونسعى سنكتشف أن الطريق يمتلئ ممن يسعَون معنا فيه، وسنجد أيضًا من يقتربون ليرافقوا رحلة الحياة مسترشدين بالخَطوات نفسها، والأفكار، والمبادئ. وفى أثناء الحياة، حاول ألا تنشغل بالأمور البسيطة على حساب أمور أهم وأعظم، وإليك ما أعنى فى قصة قرأتُها عن محاضرة قام بإلقائها أحد أساتذة قسم إدارة الأعمال على طلابه، بدأت المحاضرة باختبار بسيط منه؛ فقد وضع إناءً كبيرًا على مِنضدة، ثم أحضر عددًا من الحجارة الكبيرة، وبدأ بترتيبها فى الإناء الواحد حجرًا تَلو الآخر. وعند امتلاء الإناء؛ بحيث لم يعُد هناك مكان آخر لأى من الأحجار الكبيرة، توقف الأستاذ وسأل الطلاب: أهٰذا الإناء ممتلئ؟! تعجب بعض الطلاب من السؤال؛ فمن الواضح أنه لم يعُد هناك مكان لوضع أحجار أخرى. إلا أن بعض الطلاب قالوا: نعم. فما كان من الأستاذ إلا أن قام بفتح كيس يحتوى على حصًى صغيرة وبدأ فى وضعها فى الأماكن الشاغرة بين الحجارة الكبيرة حتى امتلأت الفراغات التى بين الحجارة. ثم سأل ثانية: هل امتلأ الإناء؟ فتردد الطلاب فى الإجابة، إلا أن أحدهم قال: ربما لا. ابتسم الأستاذ لإجابة طالبه، وقام بإخراج بعض الرمال من كيس آخر، ووضعها فى الإناء حتى امتلأت جميع الفراغات المتاحة. ثم كرر سؤاله: ما رأيكم، هل امتلأ الإناء الآن؟ وهنا صاح الجميع: إن الإناء لم يمتلئ بعد. فأحضر ماءً، وسكبه حتى امتلأ الإناء، ثم بدأ كلمات المحاضرة بسؤال عن هٰذه التجرِبة، وكيف يرَونها ويفسرونها، فأجاب أحد الطلاب أنه يرى فى التجرِبة أن الانسان يستطيع عمل مزيد دائمًا. إلا أن السؤال الذى أطرحه: هل كان يمكن عمل خُطوات التجربة بطريقة عكسية؛ أى وضع الماء، ثم الرمال، ثم الحصى الصغيرة، وأخيرًا الأحجار الكبيرة؟ هل كان الإناء سيحتوى كل ما احتواه؟ أعتقد لا، وهٰذا ما عبَّرت عنه إجابة الأستاذ الذى أشاد بإجابة الطالب، ثم قدَّم فكرة أعمق فقال: إن هٰذه التجرِبة تعلمنا أنه لو لم نضع الصخور الكبيرة أولًا، فلن نتمكن من وضعها أبدًا. ثم تساءل عن ماهية الصخور الكبيرة فى حياتنا؟ وهنا أترك لكل قارئ أن يحدد ما يراه صخورًا كبيرة فى حياته، مؤكدًا أنه يجب على السائرين فى طريق الحياة أن يتعلموا ترتيب أولويات حياتهم بدقة شديدة؛ حتى يضعوا المهام الأساسية والكبيرة فى حياتهم أولًا، وإلا فلن يمكنهم وضعها أبدًا. وعن الحياة ما زلنا نُبحر.
الأسقف العام ورئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسيّ.