مصـر الحلـوة (31)
«عـــــــام جـديــــــد»
بقلم : الأنبا إرميا – الأسقف العام ورئيس المركزالثقافى القبطي الأرثوذكسي
ساعات قليلة ونبدأ عاما جديدا نتمناه ونصلى إلى الله أن يكون مليئا بالخير لكل إنسان، حاملا البركات والسلام لكل أسرة، ولبلادنا العزيزة مِصر، ولمنطقتنا العربية، وللشرق الأوسط، وللعالم أجمع.
تحتفل شعوب الدنيا ببَدء عام جديد، وإن اختلفت توقيتات بدايات العام الجديد طبقا لمعتقد كل شعب وثقافته. فنجد أن بداية العام الجديد فى التقويم المِصرى القديم ـ أول تقويم فى تاريخ البشرية المسمى «التقويم التُّحُوتى» نسبة إلى «تُحُوت» إله المعرفة والحكمة وقياس الزمن لديهم ـ وأيضاً بداية التقويم القبطى تكون فى الأول من توت الموافق الحادى عشَر من سبتمبر ميلاديًا، وفى التقويم الجريجورى الأول من يناير، وفى التقويم الهجرى الذى وُضع مع الهجرة من مكة إلى المدينة الأول من مُحَرَّم، وفى التقويم الأمازيغى الرابع عشَر من يناير، وفى التقويم اليهودى «روش ها – شاناه» سبتمبر أو أوائل أكتوبر، وفى التقويم الفارسى «نوروز» مع أول أيام فصل الربيع، ومن الغريب أن قصة الاحتفال بهذا اليوم بدأت مرتبطة بالزراعة فى المدة ما بين إلقاء البذور وجَنْى المحاصيل؛ حيث لم تكُن السنة الشمسية قد عُرفت بعد.
التقويم الميلادى
أُطلق عليه اسم «التقويم الرومانى» مع تأسيس مدينة روما؛ فيه السنة الرومانية عشَرة أشهر بها 304 أيام تبدأ بشهر مارس، ثم يليه إبريل، ومايو، ويونيو، وكُوِينتليوس (أى الخامس)، اسكُسْتس (السادس)، سبتمبر (السابع)، أكتوبر (الثامن)، نوفمبر (التاسع)، ديسمبر (العاشر)، ثم أضيف لاحقا شهرا يناير وفبراير لتصبح السنة 12 شهرا و365 يوما، وظل الحال هكذا إلى أن لاحظ الإمبراطور «يوليوس قيصر» عدم وقوع الأعياد الإغريقية الثابتة فى مواقعها الفلكية؛ فكلف عالمَ الفلك المِصرى «سوسيجينيس» بتعديلَ التقويم ليماثل التقويم المِصرى آنذاك، وقد أضيف ربع يوم إلى السنة الرومانية لتصبح 365 يوما وربعا، وسُمِّى «التقويم اليوليانى»، الذى عُدِّل فى أيام البابا «غريغوريوس الرومانى» بطرح 3 أيام كل 400 سنة ليُسمَّى «التقويم الجريجورى».
وقد نادى الراهب الإيطالى «ديونيسيوس» باعتبار ميلاد السيد المسيح بداية لتقويم جديد أطلق عليه اسم «التقويم الميلادى»، وتحقق هذا فى القرن السادس الميلادى حين اعتبر السنة الـ1286 على تأسيس مدينة روما هى سنة الـ532 الميلادية، وقد اكتُشف فارق أربع سنوات لميلاد السيد المسيح عن حسابات الراهب الإيطالى، ولكن لم يُجرَ تغيير على التقويم بسبب انتشاره فى العالم كله.
احتفالات استقبال العام الجديد فى بعض البُلدان
ما إن تقع ليلة رأس السنة الميلادية فى الحادى والثلاثين من ديسمبر إلا ويحتفل كثير من بُلدان العالم فيها بتوديع عام، واستقبال الجديد؛ حيث تتشارك فى إطلاق الألعاب النارية مع أولى لحظاته، ومن عادات الاحتفال برأس السنة عمومًا زيارة الأقارب والأصدقاء، وتبادل الهدايا، والحضور إلى بيوت العبادة للصلوات.
وتتركز الاحتفالات فى أشهر الأماكن فى كل بلد؛ فمثلًا: فى «سيدنى» – واحدة من أولى العواصم العالمية – بأستراليا، يبدأ الاحتفال بإطلاق الألعاب النارية فى خليجها المعروف بـ«منطقة الميناء»، والمناطق المحيطة به.
وفى بريطانيا، يجتمع المحتفلون فى لندن بأعداد كبيرة جدا فى ساحة الحمام انتظارا لدقات ساعة «بيج بن»، لتُعلِن قدوم عام ورحيل آخر، وتُطلَق الألعاب النارية فى احتفالات على نهر «التيمز».
وفى برلين بألمانيا، يجرى الاحتفال فى منطقة «ميل الاحتفال»، التى تمتد مسافة كيلومترين بين «بوابة براندِنبورج» و«عمود النصر»، ومن الساعات السابقة للاحتفال تمتلئ الشوارع المؤدية إلى «بوابة براندِنبورج» بالمشاركين بأعداد هائلة، ويبدأ إطلاق صواريخ الألعاب النارية تمام منتصف الليل.
وفى الولايات المتحدة، تكون ساحة «تايمز سكوير» فى نيويورك مكان الوداع لعام يرحل، واستقبال آخر جديد بالفرح؛ حيث تُشاهد خلال دقيقة كرة مصنوعة من البِلَّور والأضواء المشعة هابطة من عمود شاهق إلى أن تستقر والهتافات منطلقة معلنة بداية السنة الجديدة.
وفى دبى، تحتفل بليلة رأس السنة أعداد كبيرة من أنحاء العالم كافة فى «برج خليفة» – أعلى ناطحة سحاب فى العالم ترتفع 828 مترًا – وتصاحب الألعاب النارية عروض مائية من نوافير «دبى فاونتن» أسفل «برج خليفة»، التى تُعد أطول نوافير استعراضية فى العالم؛ إذ يصل ارتفاع المياه المنطلقة منها إلى ما يفوق الـ50 مترًا.
بعض العادات لاستقبال العام الجديد
كانت الشعوب القديمة تقوم بأداء طقوس تعبر عن التخلص من الماضى، والتأهل لاستقبال العام جديد، فمثلا: يقوم البعض بإطفاء النيران المستخدمة، وإشعال نيران جديدة رمزًا للبداية الجديدة.
ويذكر بعض الدارسين أن أول مهرجان عرفه التاريخ احتفالا برأس السنة كان فى بابل بالعراق؛ حيث تبدأ الاحتفالات التى كانت لها طابع دينى مع بَدء الربيع؛ بعمل الشعائر والطقوس الدينية بالاغتسال فى مياه الفرات المقدسة، والإنشاد والترنم لإله الزراعة الأكبر ليمتلئ الموسم الجديد بالخير. ويعرضون مسرحية تسمى «المهرج المتنكر» كتقدمة إلى إلهة الخصب، وتبدأ بعض التقاليد عند المعبد، وتنتهى عند ضواحى بابل.
أمّا احتفالات الرومان برأس السنة الجديدة فتبدأ مع الربيع، ولكن بسبب تعديل الأباطرة فى السنة بإطالة أشهُر وتقصير الأخرى، أعلن المجلس الرومانى الأعلى بداية العام الجديد لتكون الأول من كانون الثانى (يناير)، وكان المحتفلون يقدمون هدايا بعضهم إلى بعض من أغصان أشجار مقدسة، ثم تغيرت الهدايا إلى ثمار الجَوز المغلَّفة بالذهب أو العملات المعدِنية التى تحمِل صورة «يانوس» إله الأبواب والبدايات بحسب اعتقادهم، ذى الوجهين الناظر أحدهما إلى الأمام، والآخر إلى الوراء، الذى يأتى اسم شهر يناير من اسمه.
والفرس كان قدماؤهم يتبادلون هدايا رأس السنة المحتوية بيضا رمزا للخصوبة.
وعن السلتيون – إنجلترا حاليا – يقدم الناس هدايا من أغصان الأشجار المقدسة لديهم، ثم أخذوا كثيرا من عادات رأس السنة من الرومان بعد أن أصبحت بلادهم ولاية رومانية كتقديم الرعايا هدايا رأس السنة للحكام.
بعض العادات حديثا
المكسيك
اعتاد الشعب فى احتفال ليلة رأس السنة تناول كل فرد منهم 12 حبة عنب؛ واحدة كل ساعة من الساعات الاثنتى عشْرة الأخيرة من النهار. ويعتقد البعض أن كل حبة ترمز إلى شهر من شهور السنة الجديدة، وأن طعم الحبة يرتبط بما سيكون عليه ذلك الشهر، فى حين يعتقد آخرون أن الحبة ترمز إلى صفة فى العام الجديد مثل السلام، الثراء، السعادة… إلخ.
إيطاليا
تستمر حفلات السنة الجديدة فيها حتى فجر أول أيام السنة الجديدة لمشاهدة شروق شمسه، ولا تخلو المائدة من أطباق العدس، التى يُعتقد أنها تجلب الرزق، وقد اشتُهروا بإلقاء الأثاث القديم من النوافذ فى تلك الليلة، وإن بطَلت تلك العادة حاليًّا لما تسببه من إصابات.
إسبانيا
تُعد فطائر الشيكولاتة أهم أطباق المائدة الإسبانية ليلة رأس السنة، ويعتقد أهل بلدة «بورتريكو» أن التخلص من كل ما هو سيئ والاستعداد للخير فى العام الجديد يأتى من إلقاء الماء على المارة ليلة رأس السنة! ورش المنزل والفناء بالسكر لجلب الحظ!
فرنسا
يتميز الفرنسيون بتقاليدهم فى الاحتفال برأس السنة؛ فيرتدون ملابس السباحة ويقفزون فى مياه البحر المتجمدة!! ويعتقدون أن الضوضاء تطرد الأرواح الشريرة بعيدًا؛ فيُحدثون ضوضاء وأصواتا صاخبة مبالغا فيها! ويعتبرون أول شخص يدخل المنزل فى أول أيام السنة الجديدة يرمز إلى ما ستكون عليه. ويفضل الفرنسيون تناول المشروبات المخزَّنة لديهم، وعدم تركها للعام الجديد؛ حتى لا تسبب الشر والضرر لهم حسب اعتقادهم.
الدِّنْمارك
يقوم المحتفلون فى ليلة رأس السنة بإلقاء أطباق العام القديم على أبواب الجيران والأصدقاء! وكلما ازدادت الأطباق المهشمة دل ذلك على ازدياد أصدقاء تلك الأسرة ومحبيها!
هولندا
يحتفل الهولنديون بحرق نبات «العرعر» ليلة العيد بعد الطواف به حول المنزل لطرد الأمراض فى العام الجديد.
بولندا
تصنع الفتيات زينة لأنفسهن على شكل أرنب، وتُتناوَل الخضروات لجلب الخير والسعادة فى العام الجديد.
بريطانيا
يهتم البريطانيون بعمل حلوى «البودينج» فى رأس السنة؛ فخلال صنعها يتمنَّون أمنية، ويحرصون على تحريك أيديهم تجاه عقارب الساعة حتى تتحقق الأمنية.
بلغاريا
يقوم المضيف بتقديم هدية إلى أول ضيف فى ليلة رأس السنة يعطِس أمام أفراد العائلة! فهذا يعنى دعوة إلى السعادة والسلام طوال العام الجديد!
*الأسقف العام ورئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى