استكملت المقالة السابقة الحديث عن مدينة “أورُشليم” زمان المَكابيِّين الذين بدأ أفول عهدهم بموت “يوحنا هِركانوس”، وأضحت “أورُشليم” مسرحًا للمؤامرات إذ قتل “أرسطوبولُس بن يوحنا هِركانوس” أخاه “أنتيجولوس”، وملك بعده أخوهما “إسكندر” الذي امتلأت أيامه بحروب وخيانات ومخادعات، ثم خلفه زوجته “إسكندرة” (“ألكسندرا”) الملكة مع ابنيه في الحكم ٩ سنوات، وتنازع ابناها “أرسطوبولُس” و”هِركانوس” على الملك وتحاربا طويلاً، إلى أن تدخل قائد الجيوش الروماني “بُمبي” Pompey إلى “أورُشليم” لتسوية النزاع القائم بين المتنافسَين؛ فمُنع من دخولها، فاستولى عليها وهدّم سورها لٰكنه لم يُلحق أيّ ضرر بهيكلها؛ وهٰكذا صارت مدينة “أورُشليم” ولاية رومانية ترسل أموالاً إلى “روما” كل عام.
ثم رحل “بُمبي” إلى “روما”، تاركًا على مدينة “أورُشليم” “هِركانوس” و”أنتيبطرس” الذي أدى دورًا كبيرًا في الإيقاع بين الأخوين أرسطوبولُس وهركانوس ابني ألكسندرا، وجعل بُمبي معهما القائد الرومانيّ “كينانوس”، أما “أرسطوبولُس” فقد أُخذ هو وابنان له أسرى إلى “روما”، في حين تمكن ابنه الثالث “إسكندر” من الهرب”. ويذكر لنا “يوسيفوس” المؤرخ اليهوديّ: “فلما سار («بُمبي») عن «أورُشليم»، مضى «هِركانوس» و«أنتيبطرس» و«شكاروس» إلى «العرب» ليدعوهم إلى طاعة «الروم». فلما علِم «إسكندر بن أرسطوبولُس» ذٰلك وأن «هِركانوس» عمه قد خرج عن مدينة «القدس»، جاء ودخل مدينة «أورُشليم» في السر من الموضع الذي كان مختفيًا فيه، فتلقاه أهلها وأكرموه وملّكوه عليهم وبنى ما كان «بُمبيوس» هدّمه من سور المدينة، واجتمع إليه خلق كثير. فلما عاد «هِركانوس» ومن معه إلى «أورُشليم»، خرج إليهم «إسكندر» وحاربهم فهزمهم وقتل منهم خلقًا كثيرًا”. سار القائد “كينانوس” الرومانيّ إلى “أورُشليم”، بعد أن بلغه ما حدث بها من قتال، ليحارب “إسكندر بن أرسطوبولُس”؛ وانضم إليه “هِركانوس” فتمكَّنا من إلحاق الهزيمة منه؛ وأخيرًا استسلم “إسكندر” طالبًا الأمان، فقبِله القائد الرومانيّ وأحسن إليه. ثم حدثت حرب أخرى بين “أرسطوبولُس” – الذي تمكن من الهرب من “رومية” مع أحد أبنائه – والقائد الروماني “كيناكوس”؛ انتهت بهزيمة “أرسطوبولُس” وعودته أسيرًا إلى “رومية” حتى أُطلق سراحه بعد أن انتصر “قيصر” على ملكها، فقد أطلق “قيصر” سراحه وطلب إليه الرحيل إلى بلاد “الشام” و”اليهودية” لردهما إلى طاعته، والتمرد على “بُمبي”، لٰكنه قُتل مسمومًا بحيلة من حيل “أنتيبطرس”. ثم حدث تمرد آخر في “القدس” على القائد “بُمبي”، فسار إليهم “كينانوس” وردهم مرة أخرى لطاعة “الروم”. ثم حدث أن المِصريين تمردوا على ملكهم “بطليموس” وطردوه عن الحكم، كما حاولوا كسر نِير “الروم” عنهم، فتوجه إليهم “كينانوس” ومعه “أنتيبطرس” وحاربهم وقتل منهم كثيرين، وردّ “بطليموس” إلى مُلكه وهدأت الأمور بـ”مِصر”، فعاد القائد الرومانيّ “كيناكوس” إلى “أورُشليم” مجددًا. ملك “هِركانوس” على “اليهود” ورفع منزلة “أنتيبطرس” وقدمه، ثم عاد إلى “رومية”، وكانت تلك الأحداث ٥٧-٥٣ قبل الميلاد.
ثم حدث تمرد آخر من “العَُجَْم” على “الروم” فأرسلوا قائدهم “كرسوس” الذي توجه أولاً إلى “أورُشليم” بجيش كبير، ودخل الهيكل وطلب من الكهنة أن يقدموا إليه جميع الأموال التي بالهيكل، فعرض عليه الكاهن الأكبر “أليعازر”، في ذلك الوقت، أن يمنحه ٣٠٠ من الذهب في مقابل عدم مد يده على الهيكل، فوافقه، لٰكنه سرعان ما نقض عهده وسلب خزائن الهيكل وأدواته. ثم ذهب إلى محاربة “العَُجَْم” فهُزم وقُتل هو وجنوده، وغَنِم “العَُجَْم” ما كان معه. وما إن وصلت الأخبار إلى “رومية” حتى أُرسل جيش آخر بقيادة “كسليو”، فوصل إلى بلاد “الشام” وقتل ما بها من “عَُجَْم” وأخضع أهلها “للروم”، ثم توجه إلى “أورُشليم” فوجد أهلها يحاربون “هِركانوس” و”أنتيبطرس” فنصرهما على “اليهود”. وتمكن “كسليو” من رد ٢٢ ملكًا إلى “الروم”!!! و… وما يزال حديث “القدس” يأخذنا، والحديث في “مصر الحلوة” لا ينتهي!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ