أود أن أهنئكم جميعًا بعيد تحرير سيناء الذي تأتي ذكراه غدًا، راجيًا كل الخير للمصريين كافة، مصلين جميعا إلى الله أن يحفظ بلادنا الحبيبة “مِصر” ويهب لها كل بركة وخير وسلام.
أيضًا يحتفل مسيحيو الشرق الأحد القادم بعيد “أحد السعف” أو “أحد الشعانين”، الذي دخل فيه “السيد المسيح” إلى مدينة أورُشليم (القدس) كملك محوط بتلاميذه، وجموع الشعب التي استقبلته بهتافات، حاملة سعف الخيل وأغصان الشجر؛ وهو ما أشعل أحقاد الفريسيين وضغائنهم: “وَلَمَّا قَالَ هٰذَا تَقَدَّمَ صَاعِدًا إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَإِذْ قَرُبَ مِنْ بَيْتِ فَاجِي وَبَيْتِ عَنْيَا، عِنْدَ ٱلْجَبَلِ ٱلَّذِي يُدْعَى جَبَلَ ٱلزَّيْتُونِ، أَرْسَلَ ٱثْنَيْنِ مِنْ تَلَامِيذِهِ. قَائِلاً: «ٱِذْهَبَا إِلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي أَمَامَكُمَا، وَحِينَ تَدْخُلَانِهَا تَجِدَانِ جَحْشًا مَرْبُوطًا لَمْ يَجْلِسْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ ٱلنَّاسِ قَطُّ. فَحُّلَاهُ وَأْتِيَا بِهِ … وَأَتَيَا بِهِ إِلَى يَسُوعَ وَطَرَحَا ثِيَابَهُمَا عَلَى ٱلْجَحْشِ، وَأَرْكَبَا يَسُوعَ. وَفِيمَا هُوَ سَائِرٌ فَرَشُوا ثِيَابَهُمْ فِي ٱلطَّرِيقِ. وَلَمَّا قَرُبَ عِنْدَ مُنْحَدَرِ جَبَلِ ٱلزَّيْتُونِ، ٱبْتَدَأَ كُلُّ جُمْهُورِ ٱلتَّلاَمِيذِ يَفْرَحُونَ وَيُسَبِّحُونَ ٱللهَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، لِأَجْلِ جَمِيعِ ٱلْقُوَّاتِ ٱلَّتِي نَظَرُوا، قَائِلِينَ: «مُبَارَكٌ ٱلْمَلِكُ ٱلْآتِي بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ! سَلَامٌ فِي ٱلسَّمَاءِ وَمَجْدٌ فِي ٱلْأَعَالِي!» وَأَمَّا بَعْضُ الْفَرِّيسِيِّينَ مِنَ ٱلْجَمْعِ فَقَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، ٱنْتَهِرْ تَلَامِيذَكَ!» فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ إِنْ سَكَتَ هٰؤُلَاءِ فَٱلْحِجَارَةُ تَصْرُخُ!».
وقد كان دخول “السيد المسيح” إلى “أورُشليم” تحقيقًا لنبوءة “زكريا النبيّ” قديمًا: “ٱِبْتَهِجِي جِدًّا يَا ٱبْنَةَ صِهْيَوْنَ، ٱهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ٱبْنِ أَتَانٍ.”. وقد سبقت دخول “السيد المسيح” آية عظيمة له: أقام “لعازر” بعد موته بأربعة أيام، فيذكر الكتاب: “وَكَانَ ٱلْجَمْعُ ٱلَّذِي مَعَهُ يَشْهَدُ أَنَّهُ دَعَا لِعَازَرَ مِنَ ٱلْقَبْرِ وَأَقَامَهُ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ. لِهٰذَا أَيْضًا لَاقَاهُ ٱلْجَمْعُ، لِأَنَّهُمْ سَمِعُوا أَنَّهُ كَانَ قَدْ صَنَعَ هٰذِهِ ٱلْآيَةَ. فَقَالَ ٱلْفَرِّيسِيُّونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «ٱنْظُرُوا! إِنَّكُمْ لَا تَنْفَعُونَ شَيْئًا! هُوَذَا ٱلْعَالَمُ قَدْ ذَهَبَ وَرَاءَهُ!»”.
وفي مشهد دخول “السيد المسيح” إلى مدينة “أورُشليم”، نراه في تواضع منقطع نظير راكبًا أتانًا وجحش بن أتان، ساعيًا برسالة الخلاص نحو مدينة لا تريده!!! حتى إنه قال: “يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ ٱلْأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلَادَكِ كَمَا تَجْمَعُ ٱلدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا! هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَابًا!”. إن الله بمحبته للإنسان يرغب في خلاصه وتوبته وعودته إليه من أجل خيره، فهو – تبارك اسمه – “ٱلَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ ٱلنَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ ٱلْحَقِّ يُقْبِلُونَ”، لٰكن خلاص الإنسان لا يتأتَّى إلا بحريته كاملة ورغبته خالصة: “هٰنَذَا وَاقِفٌ عَلَى ٱلْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ ٱلْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي”. وحين يعزم الإنسان عزمًا ثابتًا أن يعود إلى الله، فإنه حتمًا يجد كل قبول وغفران وراحة وأمان: “وَمَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ لَا أُخْرِجْهُ خَارِجًا”، “تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ ٱلْمُتْعَبِينَ وَٱلثَّقِيلِي ٱلْأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ”.
إن الله لم يخلق الإنسان إلا للسعادة والفرح، لٰكن تمتعه بهما يعتمد على اختياراته ورغبته الحقيقية في الحياة مع الله، بدءًا من توبته ورجوعه إليه. وفي رحلة الحياة، لا يجد البشر سوى عناية الله ومحبته لهم، فقيل: “إلهي … إنني إذ أتأمل في ضميري، أراك ناظرًا نحوي دائمًا، ومتنبهًا إليَّ نهارًا وليلاً بجهد عظيم، حتى كأنه لا يوجد في السماء ولا على الأرض خليقة سواي!”.
إن احتفال “أحد السعف” ناقوس يدق في الآذان ويقرع في القلوب، بدقات حاثّة متسائلة: أين أنت؟ ما موقفك من محبة الله؟ وكأنها صدى قول السيد المسيح: “كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ … وَلَمْ تُرِيدُوا!”.
كل عام وجميعكم بخير. و… والحديث في “مصر الحلوة” لا ينتهي!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسي