استكملت مقالة سابقة الحديث عن الملك “هِيرُودُس الكبير” الذي رغِب في هدم هيكل “أورُشليم” وبنائه مرة ثانية على حدوده الأولى وزاد عليه، ثم أشارت إلى حضور مجوس الشرق إلى “أورُشليم” بعد ميلاد السيد المسيح، وما كان من قتل “هِيرُودُس” لأطفال “بيت لحم”. وفي السنة الرابعة ق. م.، اعتلت صحة “هِيرُودُس”، ثم مات بعد أن أوصى بالحكم من بعده لابنه “أَرْخِيلاوُس”، فيذكر المؤرخ اليهوديّ “يوسيفوس”: “ثم مات «هِيرُودُس» بعد أن قتل ابنه «أنتيبطرس» بخمسة أيام، وهو ابن سبعين سنة، وكانت مدة ملكه سبعًا وثلاثين سنة … وكان «هِيرُودُس» قد أوصى ابنه قبل موته بأن يقتل جميع من في الحبوس بعد موته، لكي يكون في كل منزل نحيب وعويل بعده!!! لأنه كرِه أن تُسَرّ الناس بفقده ويبتهجوا لموته!!! … أما ابنه فلم يفعل ذٰلك، لٰكنه أطلقهم وأحسن إليهم، وكانوا خلقًا كثيرًا”.
وحدث أن خشِي الناس أن يسلك “أَرخِيلاوُس” مسلك أبيه في الظلم، فلجؤوا إلى “أُغسطس قيصر” في “رومية”، وسألوه ألا يملك “أَرخِيلاوُس” عوضًا عن أبيه “هِيرُودُس”. وفي الوقت نفسه لجأ “أَرخِيلاوُس” إلى “أُغسطس قيصر”، بصحبة “نيقولاوُس” كاتب “هِيرُودُس” الذي تحدث إلى القيصر وتمكن من إقناعه بطاعة “أَرخِيلاوُس” للروم. وهٰكذا قام “أُغسطس قيصر” بتمليك “أَرخِيلاوُس” على “اليهودية”، وأمره بالعودة إلى “أورُشليم” التي كانت قد اضطربت آنذاك بالفتن. وبعد أن ملك “أَرخِيلاوُس” أساء إلى اليهود وفعل كثيرًا من الأمور الشائنة، حتى إنه أخذ امرأة أخيه “إسكندر” المقتول. وقد ملك “أَرخِيلاوُس” سبع سنين، ثم أرسل “أُغسطس قيصر” قائدًا للقبض عليه، فقيَّده وحمله معه إلى “روما” حيث مات. وملك من بعده “أنطيغوس/أنتيباس” أخوه الذي غيَّر “أُغسطس قيصر” اسمه إلى “هِيرُودُس”.
هِيرُودُس أنتيباس
ملك “هِيرُودُس” بعد أخيه “أَرخِيلاوُس”. ويُذكر عنه أنه كان أشرّ من “أَرخِيلاوُس”، يؤتي أفعالاً قبيحة، فقد اتخذ “هِيرُودِيّا” امرأة أخيه “فِيلُِبُّس” زوجةً وهو لم يزَل على قيد الحياة!!! فلما أنكر علماء اليهود عليه الأمر قتل منهم جماعة كثيرة كما قتل “يوحنا المَعمَدان”، فيذكر الكتاب: “فَإِنَّ هِيرُودُسَ كَانَ قَدْ أَمْسَكَ يُوحَنَّا وَأَوْثَقَهُ وَطَرَحَهُ فِي سِجْنٍ مِنْ أَجْلِ هِيرُودِيَّا ٱمْرَأَةِ فِيلُِبُّسَ أَخِيهِ، لِأَنَّ يُوحَنَّا كَانَ يَقُولُ لَهُ: «لَا يَحِلُّ أَنْ تَكُونَ لَكَ». وَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَهُ خَافَ مِنَ ٱلشَّعْبِ، لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ مِثْلَ نَبِيٍّ. ثُمَّ لَمَّا صَارَ مَوْلِدُ هِيرُودُسَ، رَقَصَتِ ٱبْنَةُ هِيرُودِيَّا فِي ٱلْوَسْطِ فَسَرَّتْ هِيرُودُسَ. مِنْ ثَمَّ وَعَدَ بِقَسَمٍ أَنَّهُ مَهْمَا طَلَبَتْ يُعْطِيهَا. فَهِيَ إِذْ كَانَتْ قَدْ تَلَقَّنَتْ مِنْ أُمِّهَا قَالَتْ: «أَعْطِني هٰهُنَا عَلَى طَبَق رَأْسَ يُوحَنَّا ٱلْمَعْمَدَانِ». فَٱغْتَمَّ ٱلْمَلِكُ. وَلٰكِنْ مِنْ أَجْلِ ٱلْأَقْسَامِ وَٱلْمُتَّكِئِينَ مَعَهُ أَمَرَ أَنْ يُعْطَى. فَأَرْسَلَ وَقَطَعَ رَأْسَ يُوحَنَّا فِي ٱلسِّجْنِ. فَأُحْضِرَ رَأْسُهُ عَلَى طَبَق وَدُفِعَ إِلَى ٱلصَّبِيَّةِ، فَجَاءَتْ بِهِ إِلَى أُمِّهَا. فَتَقَدَّمَ تَلَامِيذُهُ وَرَفَعُوا ٱلْجَسَدَ وَدَفَنُوهُ. ثُمَّ أَتَوْا وَأَخْبَرُوا يَسُوعَ”.
وفي عهد “هِيرُودُس” هٰذا، بدأ “السيد المسيح” خدمته وتعليمه الشعب، فيذكر “يوسيفوس” اليهوديّ: “وكان أيضًا في هٰذا الوقت رجل حكيم اسمه «يسوع» – إن كان جائزًا أن يُدعى إنسانًا، وكان صانعًا عجائب كثيرة، ومعلمًا للذين أرادوا أن يتعلموا الحق، وكان له تلاميذ كثيرون من اليهود والأمم: هو «المسيح» الذي اشتكى عليه رؤساؤنا وأكابر أمتنا وسلَّمه «بيلاطس» للصلب، ومع هٰذا كله الذين تبِعوه من البَُداءة لم يتركوه، وقد قام حيًّا بعد ثلاثة أيام من صلبه كما كان قد تنبأ بعض الناس الذين يُدعون مَسيحيين الذين يعترفون به رئيسًا لهم”.
أما عن أحوال أورُشليم في تلك الأيام، فـ… وما يزال حديث “القدس” يأخذنا، والحديث في “مصر الحلوة” لا ينتهي!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسي