أود أن أهنئكم بـ”عيد القيامة” الذي احتفل به أقباط مصر ومسيحيو الشرق، الأحد ٥/٥/٢٠٢٤، مصلين إلى الله أن يغمر بلادنا “مِصر” وشعبها بوافر البركات، ويهب سلامه للعالم بأسره.
وحين نحتفل بـ”عيد القيامة”، نتذكر قيامة الحياة، وقيامة الدينونة، اللتين قال فيهما السيد المسيح: “فَإِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ ٱلَّذِينَ فِي ٱلْقُبُورِ صَوْتَهُ، فَيَخْرُجُ ٱلَّذِينَ فَعَلُوا ٱلصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ ٱلْحَيَاةِ، وَٱلَّذِينَ عَمِلُوا ٱلسَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ ٱلدَّيْنُونَةِ”؛ وهٰكذا تحدد أعمال الإنسان نوع قيامته: حياة أو دينونة. والقيامة حقيقة لا مفر منها، لأن الله خلق الإنسان على صورته ومثاله فوهب له روحًا خالدةً لا تموت: “وَجَبَلَ ٱلرَّبُّ ٱلْإِلٰهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ ٱلْأَرْضِ، وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً”. وإن كان الإنسان بموته تنفصل روحه ويعود جسده إلى التراب، فبالقيامة تعود روحه إلى جسده ثانية لتتحد به دائما في غير افتراق، لينال – بروحه وجسده- جزاء ما فعله في أثناء حياته على الأرض: “وَرَأَيْتُ ٱلْأَمْوَاتَ صِغَارًا وَكِبَارًا وَاقِفِينَ أَمَامَ ٱللهِ، وَٱنْفَتَحَتْ أَسْفَارٌ، وَٱنْفَتَحَ سِفْرٌ آخَرُ هُوَ سِفْرُ ٱلْحَيَاةِ، وَدِينَ ٱلْأَمْوَاتُ مِمَّا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي ٱلْأَسْفَارِ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ”؛ وهنا أتذكر كلمات المتنيح البابا شنوده الثالث: “والروح لا تموت بموت الإنسان، بل تبقى حية بطبيعتها. وبهٰذا يختلف الإنسان عن باقي المخلوقات الأخرى على الأرض، التي تنتهي حياتها وتبيد. أما الإنسان، فإنه بالقيامة يبدأ من جديد حياة أخرى لا تنتهي. وهنا تبدو قيمة الإنسان وأفضليته على غيره من المخلوقات الأرضية.ولأن الروح وحدها لا تكوّن إنسانًا كاملاً، فإنه لا بد أن يقوم الجسد ويتحد بها.وهٰكذا لا تكون الحياة الأبدية لجزء واحد من الإنسان: هو الروح، بل تكون للإنسان كله روحًا وجسدًا. فيعود الإنسان كله إلى الحياة”.
إن حياتنا على الأرض ليست عبثًا أو مجرد أيام يحياها الإنسان بلا هدف أو معنى، بل هي ما يحدد مصيرنا ومسيرنا في أحد طريقين: إما الحياة وإما الدينونة. وما بين القيامة ومصير الأبدية يوجد يوم الحساب الرهيب، حيث يقفكل البشر أمام عدل الله، مقدمين حسابًا عما فعلوه أثناء حياتهم على الأرض بالجسد، خيرًا كان أم شرًّا؛ وسوف يحكم الله دون محاباة: “لِأَنْ لَيْسَ عِنْدَ ٱللهِ مُحَابَاةٌ”.
فلننتبه إلى قيمة الحياة ومعناها وهدفها، إنها رحلة اختبار طالت أو قصرت، تعبُر بالنفس إلى سعادة مصيرها أو تعاسته؛ فتصير القيامة مصدر فرح وسعادة لصانعي الخير والسلام ومن عاشوا حياة البر والفضيلة، أو مصدر خوف وهلع للأشرار الذين أحبوا الشر والخطيئة.
إن احتفالات القيامة فرصة تذكرة لكل نفس: أن تتريث قليلاً في مسيرة حياتها وقطار العمر يمضي بها، كي تتأمل سلوكها ومسلكها اللذين يحددان محطة النهاية والمصير الأبديّ.
والضلالة عن حقيقة القيامة هدف أول لعدو الخير: بإنكارها- كما في الفكر الإلحاديّ الذي لا يعترف بوجود الله، ويرى أن الموت ما هو إلا فناء للإنسان!! أو بالإيهام أن السعادة هي في اكتساب القوة والسلطة ولو على حساب إخوة الإنسانية!! أو بإلهاء الإنسان بمشغوليات الحياة ومشكلاتها وبإغراءات الخطيئة ودروبها عن استعداده للأبدية بالتوبة التي قيل عنها: “التوبة باب الرحمة المفتوح للذين يريدونها”. فهل لديك الرغبة في التوبة والفوز بمراحم الله الواسعة لكل الخليقة؟!
كل عام وجميعكم بخير. و…والحديث في “مصر الحلوة” لا ينتهي!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسي