تأتي نهاية عام وبداية آخر حاملتين معهما كثيرًا من الذكريات والآمال، وربما الآلام! ومع النهاية والبداية، يتجدد الحُلم لدى كل إنسان أن يعبر به قطار الأمنيات، بجديدها أو بقديمها المتعثر في خطى عام مضى، إلى التمكن من تحقيقها وبلوغها. ويوجد من يحلُم بنجاح الدراسة أو العمل، ومن يأمُل مزيدًا من النجاح المادي، أو السفر إلى الخارج، أو الصحة، أو الستر، أو غير هذه من أحلام تجتاح القلوب وتُخالج العقول.
وتتعدد الأمنيات وتتباين، لٰكن في أحيان كثيرة يتسرب الحلم من داخل القلب وينطفئ وهيجه في العقل مع مرور الأيام؛ ويظل الإنسان حاملاً أحلامه من عام إلى آخر حتى يدب اليأس في قلبه، ويلقيها عن كاهله في إحدى صفحات النسيان، ظانًّا أن هذا هو قدره، أو تلك هي إمكاناته، أو أن هٰكذا هي الحياة: يجب أن نحياها رغِبنا أو لم نرغَب!!! وهنا وجدت سؤالاً يتردد بإلحاح في فكري: لماذا لا تتحقق الأحلام؟!! لمَ تفر هي من نفوس أصحابها وكأنها في سباق مع الزمن؟!! ثم إذ بي أسمع أصداء كلمات في أعماق نفسي تجيبني:لا تتحقق الأحلام بالأحلام! بل بالعمل والصبر. لقد فُقد مصباح علاء الدين منذ زمن بعيد، بعد أنأدرك الإنسان جيدًا أنه لم يكُن إلا وهمًا ينتفض منه ليجد واقعًا مغايرًا. لكن بعض البشر يحاولون أن يجدوا للمصباح بديلاً!! هذا على الرغم من أنه لو حاولوا أن ينظروا بعين العقل إلى الحياة في حقيقتها، وإلى إمكاناتهم ومواهبهم وقدراتهم التي وضعها الله فيهم، لوجدوا أنهم يملكون كثيرًا، ويمكنهم أن يحققوا إنجازات عديدة، شرط العمل والصبر. إن كل تقدم حققته البشرية بدأ حُلمًا في ذهن حالم قضّى سنوات وسنوات من العمل وعدم اليأس حتى حوّله واقعًا. وبنظرة إلى التاريخ الإنساني، نرى شخصيات متميزة مثل “توماس إديسون”: ظنه معلموه بالمدرسة “غبيًّا”، لا يمكنه أن يضارع أقل أقرانه ذكاءً وفطنة، وصار أحد أشهر العلماء المخترعين، واستضاء العالم بنور مصباحه!!! وفي كل عصر ومجال يوجد “إديسون” حقق أحلامه وأمانيه بالعمل والكفاح والصبر وعدم اليأس ورفض الاستسلام. وعلينا أن نتسلح بكلمات الشاعر “أحمد شوقي”:
نعم أمير شعرائنا، إن رغبة المطلب وحدها لا تكفي لحصوله وإدراكه وبلوغه، لأننهج الحياة أن أمانيها تُقتنص”غِلابًا”: أي بقوة العمل في مغالبة النفس والتغلب على المعوقات حتىالوصول إلى ما يُتمنى،إنها قوة الإنسان وصلابته وحكمته في تخطي العوائق والمشكلات التي تحاول عرقلته عن تحقيق أمنياته وأحلامه.
وإذا أراد الإنسان أن يصيِّر أحلامه واقعًا، فعليه أن يجلس إلى نفسه ويحسُب ما يلزمه في رحلة النجاح، فتحقيق الأحلام يحتاج إلى وضع خطوات حقيقية وواقعية يسير على هديها حتى يصل إلى ما يريده. إنها رحلة تبدأ من نقطة انطلاق الرغبة حتى الوصول إلى وجهة تحقيقها النهائية، قد تمر بمحطاتصعوبات أو فشل، لٰكنها لا شك رحلة مبهجة للنفس حين تجد ما تمنته أمامها وقد تجسد واقعًا حيًّا،بل في الطريقتمنحساعيها خبرات تثقل وتنمي.
إن الحياة هبة من اللهعلينا أن نحترمها بالخوض فيها بكل أمل وعمل، بفرح وسلام، واثقين بعطايا الله المتجددةإلينا كل صباح، كي يعمل كل منا بجد من أجل ذاته وأسرته ووطنه وسائر الإنسانية.
كل عام وأنتم بخير وسلام في عام جديد نستقبله بعد أيام، مودعين عامًا مضى بكل ما حمله من خير وآلام، مصلين إلى الله أن يجعل القادم الجديد ممتلئًا بالسلام لبلادنا وللشرق الأوسط ولسائر العالم، وليكُن عام السلام والنجاح، و… والحديث في “مصر الحلوة” لا ينتهي!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ