تحدثت مقالة سابقة عن “هِيرُودُس الكبير” الذي يذكر عنه التاريخ أنه كان سفّاك دماء؛ قتل “هِركانوس” جَد زوجته، و”أرسطوبولُس” أخا زوجته “مريم”، و”يوسُف” زوج أخته، و”مريم زوجته، وأمها “إسكندرة”، و”كرسوس” زوج أخته الثاني، وابنيه “إسكندر” و”أرسطوبولُس”!!! إلى جانب هٰؤلاء قتله وجوه اليهود ورؤساءهم ومقدميهم وعلماءهم، خوفًا من فقدان المُلك أو من وجود معارضين له. وفي السنة الثامنة عشرة من ملك “هِيرُودُس”، رغِب هدم هيكل “أورُشليم” وبناءه مرة ثانية على غرار ما فعل سُلَيمان الملك (ابن داود الملك)، فجمع اليهود لاستطلاع آرائهم في الأمر وتمكن من إقناعهم، فيذكر المؤرخ اليهوديّ “يوسيفوس”: “وقد أحببت أن أنقضه (يقصد الهيكل) وأبنيه على حدوده الأولى، وأجتهد في حُسن بنيانه وكمال صنعته … فأمسك القوم ولم يجيبوا «هِيرُودُس» بشيء لأنهم خافوا أن يهدم الهيكل فلا يقدر أن يتمم بناءه. فقال لهم «هِيرُودُس»: قد علمت الذي تخافون منه وأنا لا أهدم شيئًا من الهيكل إلا بعد الفراغ من تحصيل ما يحتاج إليه من الحجارة والخشب والفِضة والجواهر”؛ وهٰكذا بدأ في تجميع ما يحتاج إليه البناء، وبعد اكتماله بدأ في الهدم والبناء؛ وقد كان عدد العمال والصناع يزيد على ١٠ آلاف، واختار ١٠٠٠ رجل من الكهنة لبناء قدس الأقداس الذي لا يجوز لأحد دخوله: “فهدم هيرودس بيت الله إلى أساسه، وجدد جميعه، وبناه على حدوده الأولى، وزاده في مواضع منه زيادات كثيرة، وبناه أحسن بنيان، وأتقفنه وأكمله وأنهاه وأجمله”.
وبعد ميلاد السيد المسيح، زار مدينة أورُشليم مجوس المشرق وسألوا عن وليد المذود، فيذكر الكتاب لنا تلك الأحداث: “وَلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ، فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ ٱلْمَلِكِ، إِذَا مَجُوسٌ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ قَدْ جَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ قَائِلِينَ: «أَيْنَ هُوَ ٱلْمَوْلُودُ مَلِكُ ٱلْيَهُودِ؟ فَإِنَّنَا رَأَيْنَا نَجْمَهُ فِي ٱلْمَشْرِقِ وَأَتَيْنَا لِنَسْجُدَ لَهُ». فَلَمَّا سَمِعَ هِيرُودُسُ ٱلْمَلِكُ ٱضْطَرَبَ وَجَمِيعُ أُورُشَلِيمَ مَعَهُ. فَجَمَعَ كُلَّ رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَكَتَبَةِ ٱلشَّعْب، وَسَأَلَهُمْ: «أَيْنَ يُولَدُ ٱلْمَسِيحُ؟» فَقَالُوا لَهُ: «فِي بَيْتِ لَحْمِ ٱلْيَهُودِيَّةِ. لِأَنَّهُ هٰكَذَا مَكْتُوبٌ بِٱلنَّبِيِّ: وَأَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمٍ، أَرْضَ يَهُوذَا لَسْتِ ٱلصُّغْرَى بَيْنَ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا، لِأَنْ مِنْكِ يَخْرُجُ مُدَبِّرٌ يَرْعَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ». حِينَئِذٍ دَعَا هِيرُودُسُ ٱلْمَجُوسَ سِرًّا، وَتَحَقَّقَ مِنْهُمْ زَمَانَ ٱلنَّجْمِ ٱلَّذِي ظَهَرَ. ثُمَّ أَرْسَلَهُمْ إِلَى بَيْتِ لَحْمٍ، وَقَالَ: «ٱذْهَبُوا وَٱفْحَصُوا بِٱلتَّدْقِيقِ عَنِ ٱلصَّبِيِّ. وَمَتَى وَجَدْتُمُوهُ فَأَخْبِرُونِي، لِكَيْ آتِيَ أَنَا أَيْضًا وَأَسْجُدَ لَهُ». فَلَمَّا سَمِعُوا مِنَ ٱلْمَلِكِ ذَهَبُوا. وَإِذَا ٱلنَّجْمُ ٱلَّذِي رَأَوْهُ فِي ٱلْمَشْرِقِ يَتَقَدَّمُهُمْ حَتَّى جَاءَ وَوَقَفَ فَوْقُ، حَيْثُ كَانَ ٱلصَّبِيُّ. فَلَمَّا رَأَوْا ٱلنَّجْمَ فَرِحُوا فَرَحًا عَظِيمًا جِدًّا. وَأَتَوْا إِلَى ٱلْبَيْتِ، وَرَأَوْا ٱلصَّبِيَّ مَعَ مَرْيَمَ أُمِّهِ. فَخَرُّوا وَسَجَدُوا لَهُ. ثُمَّ فَتَحُوا كُنُوزَهُمْ وَقَدَّمُوا لَهُ هَدَايَا: ذَهَبًا وَلُبَانًا وَمُرًّا. ثُمَّ إِذْ أُوحِيَ إِلَيْهِمْ فِي حُلْمٍ أَنْ لَا يَرْجِعُوا إِلَى هِيرُودُسَ، ٱنْصَرَفُوا فِي طَرِيق أُخْرَى إِلَى كُورَتِهِمْ. وَبَعْدَمَا ٱنْصَرَفُوا، إِذَا مَلَاكُ ٱلرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ قَائِلاً: «قُمْ وَخُذِ ٱلصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَٱهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ. لِأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ ٱلصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ». فَقَامَ وَأَخَذَ ٱلصَّبِيَّ وَأُمَّهُ لَيْلاً وَٱنْصَرَفَ إِلَى مِصْرَ. وَكَانَ هُنَاكَ إِلَى وَفَاةِ هِيرُودُسَ. لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ ٱلرَّبِّ بِٱلنَّبِيِّ ٱلْقَائِل: «مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ٱبْني». حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى هِيرُودُسُ أَنَّ ٱلْمَجُوسَ سَخِرُوا بِهِ غَضِبَ جِدًّا. فَأَرْسَلَ وَقَتَلَ جَمِيعَ ٱلصِّبْيَانِ ٱلَّذِينَ فِي بَيْتِ لَحْمٍ وَفِي كُلِّ تُخُومِهَا، مِنِ ٱبْنِ سَنَتَيْنِ فَمَا دُونُ، بِحَسَب ٱلزَّمَانِ ٱلَّذِي تَحَقَّقَهُ مِنَ ٱلْمَجُوسِ”. وهٰكذا قتل “هيرودس” أطفال “بيت لحم”!!! وفي السنة الرابعة ق. م.، اعتلت صحة الملك “هِيرُودُس” وحاول قتل نفسه من كثرة آلامه وأوجاعه!!! ثم مات وأوصى بالحكم بعده لابنه “أَرْخِيلاوُس”، و… وما يزال حديث “القدس” يأخذنا، والحديث في “مصر الحلوة” لا ينتهي!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ